يتجلى دور الثقافة الإسلامية في بناء الفرد والمجتمع في العناصر التالية:
|
الأحد، 31 مارس 2013
ريناد الحازمي - دور الثقافة الإسلامية في بناء الفرد والمجتمع -
السبت، 30 مارس 2013
إسراء عبدالرحمن عسيري.. الحضارة الاسلامية
المقدمة:
إن الحضارة هي تعبير عن كل منجزات أعمال الإنسان الفكرية والوجدانية والعمرانية ليحقق ذاته، ويحقق تقدم مجتمعه، ويسهم في المسيرة الإنسانية. وهي بهذا التعريف تشمل مختلف نشاط الإنسان وعطائه، كما توضح مدى إسهام الأمم في إغناء وتنمية المجتمعات الإنسانية والرقي بها. والحضارة في مفهومها الإسلامي تنطلق من رؤية مثالية للحياة، إذ يسعى كل مسلم، وكل مجتمع إسلامي أن يحقق هذه الرؤية ويعمل على إبرازها وتطويرها حتى تظل حية ماثلة في ضميره وتصرفاته ومعاناته، وحتى يجعل واقعه يسير على هديها.و في هذا البحث المتواضع سأقوم بتوضيح مفهوم الحضرة و الحضارة الإسلامية فأتمنى أن ينال إعجابكم...
الموضوع:
مفهوم الحضارة:
الحضارة هي الجهد الذي يُقدَّم لخدمة الإنسان في كل نواحي حياته، أو هي التقدم في المدنية والثقافة معًا، فالثقافة هي التقدم في الأفكار النظرية مثل القانون والسياسة والاجتماع والأخلاق وغيرها، وبالتالى يستطيع الإنسان أن يفكر تفكيرًا سليمًا، أما المدنية فهي التقدم والرقى في العلوم التي تقوم على التجربة والملاحظة مثل الطب والهندسة والزراعة، وغيرها.. وقد سميت بالمدنيَّة؛ لأنها ترتبط بالمدينة، وتحقق استقرار الناس فيها عن طريق امتلاك وسائل هذا الاستقرار، فالمدنية تهدف إلى سيطرة الإنسان على الكون من حوله، وإخضاع ظروف البيئة للإنسان.
ولابد للإنسان من الثقافة والمدنية معًا؛ لكي يستقيم فكر الأفراد وسلوكياتهم، وتتحسن حياتهم، لذلك فإن الدولة التي تهتم بالتقدم المادي على حساب التقدم في مجال القيم والأخلاق، دولة مدنيَّة، وليست متحضرة؛ ومن هنا فإن تقدم الدول الغربية في العصر الحديث يعد مدنية وليس حضارة؛ لأن الغرب اهتم بالتقدم المادي على حساب القيم والمبادئ والأخلاق، أما الإسلام الذي كرَّم الإنسان وأعلى من شأنه، فقد جاء بحضارة سامية، تسهم في تيسير حياة الإنسان.
مفهوم الحضارة الإسلامية:الحضارة الإسلامية هي ما قدمه الإسلام للمجتمع البشرى من قيم ومبادئ، وقواعد ترفع من شأنه، وتمكنه من التقدم في الجانب المادي وتيسِّر الحياة للإنسان.
أهمية الحضارة الإسلامية:
الفرد هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وإذا صلح صلح المجتمع كله، وأصبح قادرًا على أن يحمل مشعل الحضارة، ويبلغها للعالمين، ومن أجل ذلك جاء الإسلام بتعاليم ومبادئ تُصْلِح هذا الفرد، وتجعل حياته هادئة مستقرة، وأعطاه من المبادئ ما يصلح كيانه وروحه وعقله وجسده.
وبعد إصلاح الفرد يتوجه الإسلام بالخطاب إلى المجتمع الذي يتكون من الأفراد، ويحثهم على الترابط والتعاون والبر والتقوى، وعلى كل خير؛ لتعمير هذه الأرض، واستخراج ما بها من خيرات، وتسخيرها لخدمة الإنسان وسعادته، وقد كان آباؤنا على قدر المسئولية، فحملوا هذه الحضارة، وانطلقوا بها يعلِّمون العالم كله ويوجهونه.
أنواع الحضارة الإسلامية:وللحضارة الإسلامية، ثلاثة أنواع:
1- حضارة التاريخ (حضارة الدول):وهي الحضارة التي قدمتها دولة من الدول الإسلامية لرفع شأن الإنسان وخدمته، وعند الحديث عن حضارة الدول ينبغى أن نتحدث عن تاريخ الدولة التي قدمت هذه الحضارة، وعن ميادين حضارتها، مثل: الزراعة، والصناعة، والتعليم، وعلاقة هذه الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، وما قدمته من إنجازات في هذا الميدان.
2-الحضارة الإسلامية الأصيلة:
وهي الحضارة التي جاء بها الإسلام لخدمة البشرية كلها، وتشمل ما جاء به الإسلام من تعاليم في مجال: العقيدة، والسياسة، والاقتصاد، والقضاء، والتربية، وغير ذلك من أمور الحياة التي تسعد الإنسان وتيسر أموره.
3- الحضارة المقتبسة:
وتسمى حضارة البعث والإحياء، وهذه الحضارة كانت خدمة من المسلمين للبشرية كلها، فقد كانت هناك حضارات وعلوم ماتت، فأحياها المسلمون وطوروها، وصبغوها بالجانب الأخلاقي الذي استمدوه من الإسلام، وقد جعل هذا الأمر كُتاب العالم الغربى يقولون: إن الحضارة الإسلامية مقتبسة من الحضارات القديمة، وهما حضارتا اليونان والرومان، وأن العقلية العربية قدْ بدَّلت الصورة الظاهرة لكل هذه الحضارات وركبتها في أسلوب جديد، مما جعلها تظهر بصورة مستقلة.
وهذه فكرة خاطئة لا أساس لها من الصحة، فالحضارة الإسلامية في ذاتها وجوهرها إسلامية خالصة، وهي تختلف عن غيرها من الحضارات اختلافًا كبيرًا، إنها حضارة قائمة بذاتها، لأنها تنبعث من العقيدة الإسلامية، وتستهدف تحقيق الغاية الإسلامية، ألا وهي إعمار الكون بشريعة الله لنيل رضاه، لا مجرد تحقيق التقدم المادي، ولو كان ذلك على حساب الإنسان والدين كما هو الحال في حضارات أخرى، مع الحرص على التقدم المادي؛ لما فيه من مصلحة الأفراد والمجتمع الإنساني كله.
أما ما استفادته من الحضارات الأخرى فقد كان ميزة تحسب لها لا عليها، إذ تعنى تفتح العقل المسلم واستعداده لتقبُّل ما لدى الآخرين، ولكن وضعه فيما يتناسب والنظام الإسلامي الخاص بشكل متكامل، ولا ينقص من الحضارة الإسلامية استفادتها من الحضارات السابقة، فالتقدم والتطور يبدأ بآخر ما وصل إليه الآخرون، ثم تضيف الحضارة الجديدة لتكمل ما بدأته الحضارات الأخرى.
خصائص الحضارة الإسلامية ومظاهرها
خصائص الحضارة الإسلامية للحضارة الإسلامية أسس قامت عليها، وخصائص تميزت بها عن الحضارات الأخرى، أهمها:
1- العقيدة:
جاء الإسلام بعقيدة التوحيد التي تُفرِد الله سبحانه بالعبادة والطاعة، وحرص على تثبيت تلك العقيدة وتأكيدها، وبهذا نفى كل تحريف سابق لتلك الحقيقة الأزلية، قال الله تعالى: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص: 1-4].
فأنهي الإسلام بذلك الجدل الدائر حول وحدانية الله تعالى، وناقش افتراءات اليهود والنصارى، وردَّ عليها؛ في مثل قوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون. اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}
[التوبة: 30-31].
وقطع القرآن الطريق بالحجة والمنطق على كل من جعل مع الله إلهًا آخر، قال الله تعالى: {أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون. لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} [الأنبياء: 21-22].
2- شمولية الإسلام وعالميته:الإسلام دين شامل، وقد ظهرت هذه الشمولية واضحة جليَّة في عطاء الإسلام الحضاري، فهو يشمل كل جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية، كما أن الإسلام يشمل كل متطلبات الإنسان الروحية والعقلية والبدنية، فالحضارة الإسلامية تشمل الأرض ومن عليها إلى يوم القيامة؛ لأنها حضارة القرآن الذي تعهَّد الله بحفظه إلى يوم القيامة، وليست جامدة متحجرة، وترعى كل فكرة
أو وسيلة تساعد على النهوض بالبشر، وتيسر لهم أمور حياتهم، ما دامت تلك الوسيلة لا تخالف قواعد الإسلام وأسسه التي قام عليها، فهي حضارة ذات أسس ثابتة، مع مرونة توافق طبيعة كل عصر، من حيث تنفيذ هذه الأسس بما يحقق النفع للناس.
3- الحث على العلم:
حثت الحضارة الإسلامية على العلم، وشجَّع القرآن الكريم والسنة النبوية على طلب العلم، ففرق الإسلام بين أمة تقدمت علميًّا، وأمة لم تأخذ نصيبها من العلم، فقال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9]. وبين القرآن فضل العلماء، فقال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11].
وقال رسول الله ( مبيِّنًا فضل السعي في طلب العلم: (من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا؛ سهل الله له به طريقًا إلى الجنة) [البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه]. وقال (: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) [البخاري وأبوداود والترمذي وابن ماجه].
وهناك أشياء من العلم يكون تعلمها فرضًا على كل مسلم ومسلمة، لا يجوز له أن يجهلها، وهي الأمور الأساسية في التشريع الإسلامي؛ كتعلم أمور الوضوء والطهارة والصلاة، التي تجعل المسلم يعبد الله عبادة صحيحة، وهناك أشياء أخرى يكون تعلمها فرضًا على جماعة من الأمة دون غيرهم، مثل بعض العلوم التجريبية كالكيمياء والفيزياء وغيرهما، ومثل بعض علوم الدين التي يتخصص فيها بعض الناس بالدراسة والبحث كأصول الفقه، ومصطلح الحديث وغيرهما.
الخاتمة:
إن حضارتنا الإسلامية تراث مثالي، وواقع تعيشه الأمة الإسلامية بقيم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وهي بهذا المنهج والأسلوب توجد بين المسلمين في جميع أنحاء الدنيا، أمماً كانوا أم أقليات أم أفراد مهاجرين في أوطان غير أوطانهم، لأنها تتسم بخصوصيات وقيم مشتركة مميزة تبرز في الأعراف والعادات والتقاليد، وهذه الخصائص تبرز الانسجام والتكامل في حضرة الأمة الإسلامية دون استثناء
إن الحضارة هي تعبير عن كل منجزات أعمال الإنسان الفكرية والوجدانية والعمرانية ليحقق ذاته، ويحقق تقدم مجتمعه، ويسهم في المسيرة الإنسانية. وهي بهذا التعريف تشمل مختلف نشاط الإنسان وعطائه، كما توضح مدى إسهام الأمم في إغناء وتنمية المجتمعات الإنسانية والرقي بها. والحضارة في مفهومها الإسلامي تنطلق من رؤية مثالية للحياة، إذ يسعى كل مسلم، وكل مجتمع إسلامي أن يحقق هذه الرؤية ويعمل على إبرازها وتطويرها حتى تظل حية ماثلة في ضميره وتصرفاته ومعاناته، وحتى يجعل واقعه يسير على هديها.و في هذا البحث المتواضع سأقوم بتوضيح مفهوم الحضرة و الحضارة الإسلامية فأتمنى أن ينال إعجابكم...
الموضوع:
مفهوم الحضارة:
الحضارة هي الجهد الذي يُقدَّم لخدمة الإنسان في كل نواحي حياته، أو هي التقدم في المدنية والثقافة معًا، فالثقافة هي التقدم في الأفكار النظرية مثل القانون والسياسة والاجتماع والأخلاق وغيرها، وبالتالى يستطيع الإنسان أن يفكر تفكيرًا سليمًا، أما المدنية فهي التقدم والرقى في العلوم التي تقوم على التجربة والملاحظة مثل الطب والهندسة والزراعة، وغيرها.. وقد سميت بالمدنيَّة؛ لأنها ترتبط بالمدينة، وتحقق استقرار الناس فيها عن طريق امتلاك وسائل هذا الاستقرار، فالمدنية تهدف إلى سيطرة الإنسان على الكون من حوله، وإخضاع ظروف البيئة للإنسان.
ولابد للإنسان من الثقافة والمدنية معًا؛ لكي يستقيم فكر الأفراد وسلوكياتهم، وتتحسن حياتهم، لذلك فإن الدولة التي تهتم بالتقدم المادي على حساب التقدم في مجال القيم والأخلاق، دولة مدنيَّة، وليست متحضرة؛ ومن هنا فإن تقدم الدول الغربية في العصر الحديث يعد مدنية وليس حضارة؛ لأن الغرب اهتم بالتقدم المادي على حساب القيم والمبادئ والأخلاق، أما الإسلام الذي كرَّم الإنسان وأعلى من شأنه، فقد جاء بحضارة سامية، تسهم في تيسير حياة الإنسان.
مفهوم الحضارة الإسلامية:الحضارة الإسلامية هي ما قدمه الإسلام للمجتمع البشرى من قيم ومبادئ، وقواعد ترفع من شأنه، وتمكنه من التقدم في الجانب المادي وتيسِّر الحياة للإنسان.
أهمية الحضارة الإسلامية:
الفرد هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وإذا صلح صلح المجتمع كله، وأصبح قادرًا على أن يحمل مشعل الحضارة، ويبلغها للعالمين، ومن أجل ذلك جاء الإسلام بتعاليم ومبادئ تُصْلِح هذا الفرد، وتجعل حياته هادئة مستقرة، وأعطاه من المبادئ ما يصلح كيانه وروحه وعقله وجسده.
وبعد إصلاح الفرد يتوجه الإسلام بالخطاب إلى المجتمع الذي يتكون من الأفراد، ويحثهم على الترابط والتعاون والبر والتقوى، وعلى كل خير؛ لتعمير هذه الأرض، واستخراج ما بها من خيرات، وتسخيرها لخدمة الإنسان وسعادته، وقد كان آباؤنا على قدر المسئولية، فحملوا هذه الحضارة، وانطلقوا بها يعلِّمون العالم كله ويوجهونه.
أنواع الحضارة الإسلامية:وللحضارة الإسلامية، ثلاثة أنواع:
1- حضارة التاريخ (حضارة الدول):وهي الحضارة التي قدمتها دولة من الدول الإسلامية لرفع شأن الإنسان وخدمته، وعند الحديث عن حضارة الدول ينبغى أن نتحدث عن تاريخ الدولة التي قدمت هذه الحضارة، وعن ميادين حضارتها، مثل: الزراعة، والصناعة، والتعليم، وعلاقة هذه الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، وما قدمته من إنجازات في هذا الميدان.
2-الحضارة الإسلامية الأصيلة:
وهي الحضارة التي جاء بها الإسلام لخدمة البشرية كلها، وتشمل ما جاء به الإسلام من تعاليم في مجال: العقيدة، والسياسة، والاقتصاد، والقضاء، والتربية، وغير ذلك من أمور الحياة التي تسعد الإنسان وتيسر أموره.
3- الحضارة المقتبسة:
وتسمى حضارة البعث والإحياء، وهذه الحضارة كانت خدمة من المسلمين للبشرية كلها، فقد كانت هناك حضارات وعلوم ماتت، فأحياها المسلمون وطوروها، وصبغوها بالجانب الأخلاقي الذي استمدوه من الإسلام، وقد جعل هذا الأمر كُتاب العالم الغربى يقولون: إن الحضارة الإسلامية مقتبسة من الحضارات القديمة، وهما حضارتا اليونان والرومان، وأن العقلية العربية قدْ بدَّلت الصورة الظاهرة لكل هذه الحضارات وركبتها في أسلوب جديد، مما جعلها تظهر بصورة مستقلة.
وهذه فكرة خاطئة لا أساس لها من الصحة، فالحضارة الإسلامية في ذاتها وجوهرها إسلامية خالصة، وهي تختلف عن غيرها من الحضارات اختلافًا كبيرًا، إنها حضارة قائمة بذاتها، لأنها تنبعث من العقيدة الإسلامية، وتستهدف تحقيق الغاية الإسلامية، ألا وهي إعمار الكون بشريعة الله لنيل رضاه، لا مجرد تحقيق التقدم المادي، ولو كان ذلك على حساب الإنسان والدين كما هو الحال في حضارات أخرى، مع الحرص على التقدم المادي؛ لما فيه من مصلحة الأفراد والمجتمع الإنساني كله.
أما ما استفادته من الحضارات الأخرى فقد كان ميزة تحسب لها لا عليها، إذ تعنى تفتح العقل المسلم واستعداده لتقبُّل ما لدى الآخرين، ولكن وضعه فيما يتناسب والنظام الإسلامي الخاص بشكل متكامل، ولا ينقص من الحضارة الإسلامية استفادتها من الحضارات السابقة، فالتقدم والتطور يبدأ بآخر ما وصل إليه الآخرون، ثم تضيف الحضارة الجديدة لتكمل ما بدأته الحضارات الأخرى.
خصائص الحضارة الإسلامية ومظاهرها
خصائص الحضارة الإسلامية للحضارة الإسلامية أسس قامت عليها، وخصائص تميزت بها عن الحضارات الأخرى، أهمها:
1- العقيدة:
جاء الإسلام بعقيدة التوحيد التي تُفرِد الله سبحانه بالعبادة والطاعة، وحرص على تثبيت تلك العقيدة وتأكيدها، وبهذا نفى كل تحريف سابق لتلك الحقيقة الأزلية، قال الله تعالى: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص: 1-4].
فأنهي الإسلام بذلك الجدل الدائر حول وحدانية الله تعالى، وناقش افتراءات اليهود والنصارى، وردَّ عليها؛ في مثل قوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون. اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}
[التوبة: 30-31].
وقطع القرآن الطريق بالحجة والمنطق على كل من جعل مع الله إلهًا آخر، قال الله تعالى: {أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون. لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} [الأنبياء: 21-22].
2- شمولية الإسلام وعالميته:الإسلام دين شامل، وقد ظهرت هذه الشمولية واضحة جليَّة في عطاء الإسلام الحضاري، فهو يشمل كل جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية، كما أن الإسلام يشمل كل متطلبات الإنسان الروحية والعقلية والبدنية، فالحضارة الإسلامية تشمل الأرض ومن عليها إلى يوم القيامة؛ لأنها حضارة القرآن الذي تعهَّد الله بحفظه إلى يوم القيامة، وليست جامدة متحجرة، وترعى كل فكرة
أو وسيلة تساعد على النهوض بالبشر، وتيسر لهم أمور حياتهم، ما دامت تلك الوسيلة لا تخالف قواعد الإسلام وأسسه التي قام عليها، فهي حضارة ذات أسس ثابتة، مع مرونة توافق طبيعة كل عصر، من حيث تنفيذ هذه الأسس بما يحقق النفع للناس.
3- الحث على العلم:
حثت الحضارة الإسلامية على العلم، وشجَّع القرآن الكريم والسنة النبوية على طلب العلم، ففرق الإسلام بين أمة تقدمت علميًّا، وأمة لم تأخذ نصيبها من العلم، فقال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9]. وبين القرآن فضل العلماء، فقال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11].
وقال رسول الله ( مبيِّنًا فضل السعي في طلب العلم: (من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا؛ سهل الله له به طريقًا إلى الجنة) [البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه]. وقال (: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) [البخاري وأبوداود والترمذي وابن ماجه].
وهناك أشياء من العلم يكون تعلمها فرضًا على كل مسلم ومسلمة، لا يجوز له أن يجهلها، وهي الأمور الأساسية في التشريع الإسلامي؛ كتعلم أمور الوضوء والطهارة والصلاة، التي تجعل المسلم يعبد الله عبادة صحيحة، وهناك أشياء أخرى يكون تعلمها فرضًا على جماعة من الأمة دون غيرهم، مثل بعض العلوم التجريبية كالكيمياء والفيزياء وغيرهما، ومثل بعض علوم الدين التي يتخصص فيها بعض الناس بالدراسة والبحث كأصول الفقه، ومصطلح الحديث وغيرهما.
الخاتمة:
إن حضارتنا الإسلامية تراث مثالي، وواقع تعيشه الأمة الإسلامية بقيم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وهي بهذا المنهج والأسلوب توجد بين المسلمين في جميع أنحاء الدنيا، أمماً كانوا أم أقليات أم أفراد مهاجرين في أوطان غير أوطانهم، لأنها تتسم بخصوصيات وقيم مشتركة مميزة تبرز في الأعراف والعادات والتقاليد، وهذه الخصائص تبرز الانسجام والتكامل في حضرة الأمة الإسلامية دون استثناء
إسراء عبدالرحمن عسيري .. مكارم الاخلاق
| |||
إسراء عبدالرحمن عسيري .. مفهوم الأمة الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة
مفهوم الأمة الإسلامية في ضوء
الكتاب والسنة
بقلم الدكتور: توفيق الحاج
بقلم الدكتور: توفيق الحاج
إن نصوص الإسلام أي القرآن الكريم والسنّة المطهرة تدل بوضوح
على أن الأمة الإسلامية هي الأمة التي تؤمن بالعقيدة الإسلامية وتجعل أحكام الإسلام
موضع التطبيق وتحمل رسالة الإسلام إلى البشرية
جمعاء.
قال تعالى: ]وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ[ أي يهدون الناس ويحكمون به بينهم.
وقال تعالى: ]كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ[ أي كنتم خير أمة حال كونكم آمرين ناهين مؤمنين بالله وبما يجب عليكم الإيمان به من كتابه ورسوله وما شرعه لعباده، فإنه لا يتم الإيمان بالله سبحانه وتعالى إلا بالإيمان بهذه الأمور.
وأما الأدلة من السنة فهي مستفيضة، منها ما ورد في كتاب رسول الله r بعد وصوله المدينة المنورة: «هذا كتاب من محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس...».
ووحدة الأمة التي تدل عليها نصوص الكتاب والسنة هي وحدة عقيدتها ووحدة رسالتها ووحدة نظامها.
قال تعالى: ]آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ[ فوحدة العقيدة لدى الأمة الإسلامية مما هو على ظاهر الكف.
ووحدة الرسالة جلية واضحة كالشمس في رابعة النهار، قال تعالى: ]قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي[.
وأما الأمر الذي استطاع الكافر المستعمر وعملاؤه طمس معالمه في أذهان الكثيرين فهو وحدة النظام الذي يتمثل في وحدة مصدر التشريع وكيفية سن القوانين من جهة، ومن جهة أخرى وحدة الحاكم، وهو بتعبير آخر وحدة الدولة. فالنصوص الشرعية في أمر وحدة التشريع قطعية الثبوت قطعية الدلالة حيث أنها بيّنت بوضوح أن لا محل للبشر في وضع أحكام لتنظيم علاقات الناس، ولا مكان للسلطان في إجبار الناس أو تخييرهم على اتباع قواعد وأحكام من وضع البشر في تنظيم علاقاتهم، فالله هو الذي شرع الأحكام وليس السلطان، وهو الذي أجبرهم وأجبر السلطان على اتباعها في علاقاتهم وأعمالهم، وحصرهم بها، ومنعهم من اتباع غيرها. قال تعالى: ]وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ[، وقال تعالى: ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[ وقال رسول الله r: «أن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها» وقال r: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
وأما كيفية سن القوانين فهي أن يتبنى الخليفة أحكاماً شرعية معينة يسنها دستوراً وقوانين، وإذا تبنى حكماً شرعياً في ذلك صار هذا الحكم وحده هو الحكم الشرعي الواجب العمل به، وأصبح حينئذ قانوناً نافذاً وجبت طاعته على كل فرد من الرعية ظاهراً وباطناً. فقد سار الخلفاء الراشدون على ذلك فتبنوا أحكاماً معينة وأمرَوا بالعمل بها، فكان المسلمون ومنهم جميع الصحابة يعملون بها ويتركون اجتهادهم. وقد تبنى أبو بكر رضي الله عنه إيقاع الطلاق الثلاث واحدة، وتوزيع المال على المسلمين بالتساوي من غير نظر إلى القدم الإسلام أو غير ذلك، فاتبعه المسلمون في هذا وسار عليه القضاة والولاة. ولما جاء عمر رضي الله عنه، تبنى رأياً في هاتين الحادثين خلاف رأي أبي بكر، فألزم وقوع الطلاق الثلاث ثلاثاً، ووزّع المال حسب القدم في الإسلام والحاجة، بالتفاضل لا بالتساوي، واتبعه في ذلك المسلمون وحكم به القضاة والولاة. ثم تبنى عمر جعل الأرض التي تغنم في الحرب غنيمة لبيت المال لا للمحاربين، وأن تبقى في يد أهلها ولا تقسم لا على المحاربين ولا على المسلمين، فاتبعه في ذلك الولاة والقضاة وساروا على الحكم الذي تبناه، وهكذا سار جميع الخلفاء الراشدين على التبني وعلى إلزام الناس بترك اجتهادهم وما يعملون به من أحكام والإلزام بما تبناه الخليفة. فكان الإجماع منعقداً على أمرين: أحدهما التبني وثانيهما وجوب العلم بما يتبناه الخليفة. ومن هذا الإجماع أخذت القواعد الشرعية المشهور «للسلطان أن يحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات»، «أمر الإمام يرفع الخلاف»، «أمر الإمام نافذ».
وفي شأن وحدة الحكم ورد عن النبي r أحاديث صحيحة صريحة تدل على وجوب منع تعدد الأئمة في الزمن الواحد، ومن هذه الأحاديث ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي r قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» فالأمر بقتال الآخر يدل على تحريم نصب إمامين في آن واحد، لأن القتل لا يكون إلا عن كبيرة يتفاقم خطرها. لذلك فلا يجوز عقد البيعة لخليفتين في زمن واحد. وما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه سمع النبي r يقول: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر»، وما رواه أبو حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي r قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي. وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم. فإن الله سائلهم عما استرعاهم». ومنها مما رواه عرفجة بن شريح قال: سمعت رسول الله r يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه».
وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أنه لا يجوز أن يلي الأمة أكثر من واحد، ودليل ذلك أن المهاجرين لم يوافقوا الأنصار أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير حينما طلبوا ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكان مما روي في ذلك الموقف قول أبي بكر رضي الله عنه (هيهات أن يجتمع سيفان في غمد) عند ئذ رضي الأنصار بذلك، فصار ذلك منهم إجماعاً على عدم جواز تعدد الأئمة، بل روى البيهقي في الخطبة نفسها عبارة أكثر صراحة من السابقة وهي قوله: (أنه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران، فإنه مهما يكن ذلك يختلف أمرهم وأحكامهم، وتتفرق جماعتهم ويتنازعون فيما بينهم. هنالك تترك السنة، وتظهر البدعة، وتعظم الفتنة، وليس لأحد على ذلك صلاح).
واقع الأمة الإسلامية:
قلنا إنّ الأمة الإسلامية هي الأمة التي تؤمن بالعقيدة الإسلامية، وتضع أحكام الإسلام موضع التطبيق، وتحمل رسالة الإسلام إلى البشرية جمعاء.
هذا ما يجب أن يكون عليه حال الأمة الإسلامية. ولكن واقعها الحالي قد أصابه الخلل في أمور ثلاثة:
أولاً: فيما يتعلق بالعقيدة الإسلامية:
إن العقيدة الإسلامية نفسها لا تزال موجودة عند كل مسلم ولا يزال كل مسلم يقول صباح مساء: لا إله إلا الله، وإن كان قوله هذا لا يحرك شعره في بدنه، ولا خلجة من خلجات قلبه. ولا شيئاً من مشاعره، ولا يدفعه في الحياة قد أنملة، ولا يمنع عنه من التأخر والانحطاط شيئاً، ذلك لأن العقيدة الإسلامية فقدت في نفوس المسلمين ثلاثة أمور هامة:
1- لم تعد لها علاقة بأفكار الحياة وأنظمة التشريع فغاضت منها الحيوية وأصبحت جثة هامدة. إذ أن عقيدة الإسلام تقرر أن المصدر الوحيد الذي يأتي منه التشريع ابتداءاً هو الله تعالى وحده، فإليه يرجع الأمر والحكم، وليس لمخلوق أن ينشئ حكماً بالتحليل أو التحريم من عند نفسه. قال عزّ وجل: ]اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً[ وقال عز وجل: ]أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ[، إلى غير ذلك من الآيات التي تقرر إفراد الله تعالى بالألوهية والتشريع، وأن منازعته فيه شرك. وتسيير شؤون الأمة وَفقاً لأحكام الإسلام هو الذي يجعل العقيدة حية باعثة العزة والحيوية في كل مناحي الحياة.
2- لم تعد تثير عند المسلمين الشوق إلى الجنة ونعيمها والخوف من النار وعذابها، ولا تستنفرهم للعمل من أجل نوال رضوان الله تعالى.
3- لم تعد تربط المسلمين بعضهم ببعض. فقد ضعفت بينهم رابطة الأخوة الإسلامية المبنية على العقيدة الإسلامية حتى كادت أن تموت، وحلت محلها رابطة الوطنية والقومية وأصبحوا شعوباً ودولاً وصاروا يوالون الكفر وأهله حتى في ضرب الإسلام والمسلمين.
ثانياً: فيما يتعلق بتطبيق أحكام الإسلام:
لقد سار حكّام المسلمين جميعاً على خُطا كمال أتاتورك، فقد أزالوا الإسلام عقيدة وشريعة من الدولة ومن شؤون الحياة ووضعوا مكانه نظام الكفر فطبقوا النظام الرأسمالي والشريعة الغربية ودعوا على عقيدة الكفر: عقيدة فصل الدين عن الدولة. وجعلوا من أنفسهم حراساً لأحكام الكفر وقوانينه وأنظمته.
والأنكى من ذلك أنهم نذروا أنفسهم لمقاومة كل حركة إسلامية تعمل لإعادة أحكام الإسلام إلى الحياة. ففي الوقت الذي نجد فيه تكالب الكفار على مسلمي البوسنة والهرسك فلا يرقبون فيهم إلاً ولا ذمّة ويمنعونهم من حق الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم نجد الدول الكرتونية المسمّاة زوراً وبهتاناً دولاً إسلامية يواصلون مكرهم وخيانتهم لأمتهم وعقيدتهم وذلك بضرب وتصفية العاملين للإسلام الذين يحاولون أن ينقذوا أمتهم من الفناء وعقيدتهم من الزوال ويعملون لتخليص أمتهم من سيطرة الكفر والكفار.
أما ما الذي يدفع بهؤلاء الحكام ـ وهم قد ملكوا البلاد والعباد ولا ينقصهم من متاع الدنيا ـ إلى هذا الموقف الإجرامي الآثم؟
إنها حالات ثلاثة تملكتهم وأثرت فيهم:
1- عدم الثقة بالإسلام كمبدأ عالمي للحياة والحكم وعلاقات الدول.
2- عدم الثقة بالأمة الإسلامية كأمة قادرة على أن تقتعد مكان الصدارة بين الأمم الكبرى.
3- الرعب الذي قذف في قلوبهم من الدول الكبرى الكافرة وما لديها من معدات الدمار ومن أساليب المكر والخداع.
ومن أجل ذلك نأوا بجانبهم عن الإسلام وجعلوا ركيزة بقائهم في الحكم الاستعانة بالدول الكبرى والاستناد إليها لا بقوة بلادهم والاستناد إلى أمتهم، واستسلموا بذلك للكفار الحربيين وملّكوهم مقدرات الأمة وجلبوا جيوش الكفار إلى أهم بلاد المسلمين، فها هم يبنون القواعد الضخمة في الخليج والجزيرة، ومن قبل بنوها في مصر وتركيا والمغرب وعُمان. وقد نقلوا مؤخراً بعض مراكز قياداتهم العسكرية وغرف العمليات إلى البحرين. وهم يتتبعون الإسلام في كل ناحية لإزالته من الحياة حتى يصبح ديناً كهونتياً لا علاقة له بالحياة، حتى يستوي أهل الكفر وأهل الإسلام، قال تعالى: ]وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً[.
ويكفي المسلمين عاراً أن لا يوجد لهم كيان يطبق أحكام كتاب الله وسنّة رسوله، ولنعلم علم اليقين أن ما نحن فيه من بلاء وشدة إنما هو نتيجة حتمية لغياب حكم الإسلام، وذلك لقوله تعالى: ]وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى@ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا @ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى @ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى[.
ثالثاً: فيما يتعلق بحمل رسالة الإسلام إلى البشرية جمعاء:
قال الله تعالى: ]وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ[ وقال رسول الله r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام. وحسابهم على الله تعالى».
لقد فقه الصحابة الكرام والمسلمون من بعدهم هذه النصوص الكرمية، وأمثالُها كثيرا، فحملوا دعوة الله عزّ وجلّ في مشارق الأرض ومغاربها ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ولنستمعْ لرد ربعي بن عامر رضي الله عنه حين سأله رستم: ما الذي جاء بكم؟ قال: (أن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة). نعم لقد حملت الدولة الإسلامية راية الجهاد وجعلت سياستها مع غيرها من الشعوب والأمم قائمة على أساس نشر الدعوة الإسلامية حتى فتح الله عليها وانتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.
أما ماذا نرى اليوم... نرى العالم كله يحمل إلينا أفكاره الفاسدة من قومية ووطنية وماركسية وإباحية وديمقراطية... كل الأفكار والمبادئ التي جرّت على البشرية الويلات والحروب، وأردت الإنسان في الدرك الأسفل من الحيوانية، وجعلت حياته دائرة من البؤس والشقاء.
وأما الدولة الإسلامية التي كانت تحمل رسالة الإسلام وترفع راية الجهاد فقد أزالها الكافر وأقام عوضاً عنها دويلات كرتونية تعينه على نشر سمومه وإفساد الأمة، وتمكين مفاهيم الغرب وحضارته من عقول ونفوس المسلمين، وتتصدى لمن يحملون دعوة الإسلام أو يكافحون هذه الأفكار التي هي أفكار ومفاهيم كفر لا تمت للإسلام بصلة من قريب أو بعيد.
وأما الجهاد فقد استبدلت به هذه الكياناتُ الكرتونية الاستسلام، بل وصل الأمر بهم عملياً أن ألغوا الجهاد حتى في حالة الدفاع عن النفس والعرض كما هو الحال في تخاذلهم عن نصرة المسلمين في البوسنة ـ الهرسك.
أيها المسلمون: هذا هو الواقع الذي تعيشونه وتلمسونه جميعاً. أما ما هو المخرج من هذا الواقع الذي تداعت علينا فيه جميع الأمم وخان ولاةُ الأمور الله ورسوله والمؤمنين واتبعوا سبيل الكفار والمجرمين؟
لنكن على علم تام ويقين راسخ أن الإسلام بلا سلطان لا يمكن أن يوجَد حياً في واقع الحياة، وأن المسلمين بدون دولة واحدة ترعى شؤونهم وتحمي بيضتهم وتجمع شملهم وتعمل على أن تأخذ الأمة مكانتها الحقيقية بين الأمم لا يمكن أن تقوم لهم قائمة. ولذا فإن المخرج والحل الوحيد هو عودة الخلافة الإسلامية c
قال تعالى: ]وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ[ أي يهدون الناس ويحكمون به بينهم.
وقال تعالى: ]كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ[ أي كنتم خير أمة حال كونكم آمرين ناهين مؤمنين بالله وبما يجب عليكم الإيمان به من كتابه ورسوله وما شرعه لعباده، فإنه لا يتم الإيمان بالله سبحانه وتعالى إلا بالإيمان بهذه الأمور.
وأما الأدلة من السنة فهي مستفيضة، منها ما ورد في كتاب رسول الله r بعد وصوله المدينة المنورة: «هذا كتاب من محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس...».
ووحدة الأمة التي تدل عليها نصوص الكتاب والسنة هي وحدة عقيدتها ووحدة رسالتها ووحدة نظامها.
قال تعالى: ]آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ[ فوحدة العقيدة لدى الأمة الإسلامية مما هو على ظاهر الكف.
ووحدة الرسالة جلية واضحة كالشمس في رابعة النهار، قال تعالى: ]قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي[.
وأما الأمر الذي استطاع الكافر المستعمر وعملاؤه طمس معالمه في أذهان الكثيرين فهو وحدة النظام الذي يتمثل في وحدة مصدر التشريع وكيفية سن القوانين من جهة، ومن جهة أخرى وحدة الحاكم، وهو بتعبير آخر وحدة الدولة. فالنصوص الشرعية في أمر وحدة التشريع قطعية الثبوت قطعية الدلالة حيث أنها بيّنت بوضوح أن لا محل للبشر في وضع أحكام لتنظيم علاقات الناس، ولا مكان للسلطان في إجبار الناس أو تخييرهم على اتباع قواعد وأحكام من وضع البشر في تنظيم علاقاتهم، فالله هو الذي شرع الأحكام وليس السلطان، وهو الذي أجبرهم وأجبر السلطان على اتباعها في علاقاتهم وأعمالهم، وحصرهم بها، ومنعهم من اتباع غيرها. قال تعالى: ]وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ[، وقال تعالى: ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[ وقال رسول الله r: «أن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها» وقال r: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
وأما كيفية سن القوانين فهي أن يتبنى الخليفة أحكاماً شرعية معينة يسنها دستوراً وقوانين، وإذا تبنى حكماً شرعياً في ذلك صار هذا الحكم وحده هو الحكم الشرعي الواجب العمل به، وأصبح حينئذ قانوناً نافذاً وجبت طاعته على كل فرد من الرعية ظاهراً وباطناً. فقد سار الخلفاء الراشدون على ذلك فتبنوا أحكاماً معينة وأمرَوا بالعمل بها، فكان المسلمون ومنهم جميع الصحابة يعملون بها ويتركون اجتهادهم. وقد تبنى أبو بكر رضي الله عنه إيقاع الطلاق الثلاث واحدة، وتوزيع المال على المسلمين بالتساوي من غير نظر إلى القدم الإسلام أو غير ذلك، فاتبعه المسلمون في هذا وسار عليه القضاة والولاة. ولما جاء عمر رضي الله عنه، تبنى رأياً في هاتين الحادثين خلاف رأي أبي بكر، فألزم وقوع الطلاق الثلاث ثلاثاً، ووزّع المال حسب القدم في الإسلام والحاجة، بالتفاضل لا بالتساوي، واتبعه في ذلك المسلمون وحكم به القضاة والولاة. ثم تبنى عمر جعل الأرض التي تغنم في الحرب غنيمة لبيت المال لا للمحاربين، وأن تبقى في يد أهلها ولا تقسم لا على المحاربين ولا على المسلمين، فاتبعه في ذلك الولاة والقضاة وساروا على الحكم الذي تبناه، وهكذا سار جميع الخلفاء الراشدين على التبني وعلى إلزام الناس بترك اجتهادهم وما يعملون به من أحكام والإلزام بما تبناه الخليفة. فكان الإجماع منعقداً على أمرين: أحدهما التبني وثانيهما وجوب العلم بما يتبناه الخليفة. ومن هذا الإجماع أخذت القواعد الشرعية المشهور «للسلطان أن يحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات»، «أمر الإمام يرفع الخلاف»، «أمر الإمام نافذ».
وفي شأن وحدة الحكم ورد عن النبي r أحاديث صحيحة صريحة تدل على وجوب منع تعدد الأئمة في الزمن الواحد، ومن هذه الأحاديث ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي r قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» فالأمر بقتال الآخر يدل على تحريم نصب إمامين في آن واحد، لأن القتل لا يكون إلا عن كبيرة يتفاقم خطرها. لذلك فلا يجوز عقد البيعة لخليفتين في زمن واحد. وما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه سمع النبي r يقول: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر»، وما رواه أبو حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي r قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي. وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم. فإن الله سائلهم عما استرعاهم». ومنها مما رواه عرفجة بن شريح قال: سمعت رسول الله r يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه».
وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أنه لا يجوز أن يلي الأمة أكثر من واحد، ودليل ذلك أن المهاجرين لم يوافقوا الأنصار أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير حينما طلبوا ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكان مما روي في ذلك الموقف قول أبي بكر رضي الله عنه (هيهات أن يجتمع سيفان في غمد) عند ئذ رضي الأنصار بذلك، فصار ذلك منهم إجماعاً على عدم جواز تعدد الأئمة، بل روى البيهقي في الخطبة نفسها عبارة أكثر صراحة من السابقة وهي قوله: (أنه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران، فإنه مهما يكن ذلك يختلف أمرهم وأحكامهم، وتتفرق جماعتهم ويتنازعون فيما بينهم. هنالك تترك السنة، وتظهر البدعة، وتعظم الفتنة، وليس لأحد على ذلك صلاح).
واقع الأمة الإسلامية:
قلنا إنّ الأمة الإسلامية هي الأمة التي تؤمن بالعقيدة الإسلامية، وتضع أحكام الإسلام موضع التطبيق، وتحمل رسالة الإسلام إلى البشرية جمعاء.
هذا ما يجب أن يكون عليه حال الأمة الإسلامية. ولكن واقعها الحالي قد أصابه الخلل في أمور ثلاثة:
أولاً: فيما يتعلق بالعقيدة الإسلامية:
إن العقيدة الإسلامية نفسها لا تزال موجودة عند كل مسلم ولا يزال كل مسلم يقول صباح مساء: لا إله إلا الله، وإن كان قوله هذا لا يحرك شعره في بدنه، ولا خلجة من خلجات قلبه. ولا شيئاً من مشاعره، ولا يدفعه في الحياة قد أنملة، ولا يمنع عنه من التأخر والانحطاط شيئاً، ذلك لأن العقيدة الإسلامية فقدت في نفوس المسلمين ثلاثة أمور هامة:
1- لم تعد لها علاقة بأفكار الحياة وأنظمة التشريع فغاضت منها الحيوية وأصبحت جثة هامدة. إذ أن عقيدة الإسلام تقرر أن المصدر الوحيد الذي يأتي منه التشريع ابتداءاً هو الله تعالى وحده، فإليه يرجع الأمر والحكم، وليس لمخلوق أن ينشئ حكماً بالتحليل أو التحريم من عند نفسه. قال عزّ وجل: ]اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً[ وقال عز وجل: ]أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ[، إلى غير ذلك من الآيات التي تقرر إفراد الله تعالى بالألوهية والتشريع، وأن منازعته فيه شرك. وتسيير شؤون الأمة وَفقاً لأحكام الإسلام هو الذي يجعل العقيدة حية باعثة العزة والحيوية في كل مناحي الحياة.
2- لم تعد تثير عند المسلمين الشوق إلى الجنة ونعيمها والخوف من النار وعذابها، ولا تستنفرهم للعمل من أجل نوال رضوان الله تعالى.
3- لم تعد تربط المسلمين بعضهم ببعض. فقد ضعفت بينهم رابطة الأخوة الإسلامية المبنية على العقيدة الإسلامية حتى كادت أن تموت، وحلت محلها رابطة الوطنية والقومية وأصبحوا شعوباً ودولاً وصاروا يوالون الكفر وأهله حتى في ضرب الإسلام والمسلمين.
ثانياً: فيما يتعلق بتطبيق أحكام الإسلام:
لقد سار حكّام المسلمين جميعاً على خُطا كمال أتاتورك، فقد أزالوا الإسلام عقيدة وشريعة من الدولة ومن شؤون الحياة ووضعوا مكانه نظام الكفر فطبقوا النظام الرأسمالي والشريعة الغربية ودعوا على عقيدة الكفر: عقيدة فصل الدين عن الدولة. وجعلوا من أنفسهم حراساً لأحكام الكفر وقوانينه وأنظمته.
والأنكى من ذلك أنهم نذروا أنفسهم لمقاومة كل حركة إسلامية تعمل لإعادة أحكام الإسلام إلى الحياة. ففي الوقت الذي نجد فيه تكالب الكفار على مسلمي البوسنة والهرسك فلا يرقبون فيهم إلاً ولا ذمّة ويمنعونهم من حق الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم نجد الدول الكرتونية المسمّاة زوراً وبهتاناً دولاً إسلامية يواصلون مكرهم وخيانتهم لأمتهم وعقيدتهم وذلك بضرب وتصفية العاملين للإسلام الذين يحاولون أن ينقذوا أمتهم من الفناء وعقيدتهم من الزوال ويعملون لتخليص أمتهم من سيطرة الكفر والكفار.
أما ما الذي يدفع بهؤلاء الحكام ـ وهم قد ملكوا البلاد والعباد ولا ينقصهم من متاع الدنيا ـ إلى هذا الموقف الإجرامي الآثم؟
إنها حالات ثلاثة تملكتهم وأثرت فيهم:
1- عدم الثقة بالإسلام كمبدأ عالمي للحياة والحكم وعلاقات الدول.
2- عدم الثقة بالأمة الإسلامية كأمة قادرة على أن تقتعد مكان الصدارة بين الأمم الكبرى.
3- الرعب الذي قذف في قلوبهم من الدول الكبرى الكافرة وما لديها من معدات الدمار ومن أساليب المكر والخداع.
ومن أجل ذلك نأوا بجانبهم عن الإسلام وجعلوا ركيزة بقائهم في الحكم الاستعانة بالدول الكبرى والاستناد إليها لا بقوة بلادهم والاستناد إلى أمتهم، واستسلموا بذلك للكفار الحربيين وملّكوهم مقدرات الأمة وجلبوا جيوش الكفار إلى أهم بلاد المسلمين، فها هم يبنون القواعد الضخمة في الخليج والجزيرة، ومن قبل بنوها في مصر وتركيا والمغرب وعُمان. وقد نقلوا مؤخراً بعض مراكز قياداتهم العسكرية وغرف العمليات إلى البحرين. وهم يتتبعون الإسلام في كل ناحية لإزالته من الحياة حتى يصبح ديناً كهونتياً لا علاقة له بالحياة، حتى يستوي أهل الكفر وأهل الإسلام، قال تعالى: ]وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً[.
ويكفي المسلمين عاراً أن لا يوجد لهم كيان يطبق أحكام كتاب الله وسنّة رسوله، ولنعلم علم اليقين أن ما نحن فيه من بلاء وشدة إنما هو نتيجة حتمية لغياب حكم الإسلام، وذلك لقوله تعالى: ]وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى@ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا @ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى @ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى[.
ثالثاً: فيما يتعلق بحمل رسالة الإسلام إلى البشرية جمعاء:
قال الله تعالى: ]وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ[ وقال رسول الله r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام. وحسابهم على الله تعالى».
لقد فقه الصحابة الكرام والمسلمون من بعدهم هذه النصوص الكرمية، وأمثالُها كثيرا، فحملوا دعوة الله عزّ وجلّ في مشارق الأرض ومغاربها ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ولنستمعْ لرد ربعي بن عامر رضي الله عنه حين سأله رستم: ما الذي جاء بكم؟ قال: (أن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة). نعم لقد حملت الدولة الإسلامية راية الجهاد وجعلت سياستها مع غيرها من الشعوب والأمم قائمة على أساس نشر الدعوة الإسلامية حتى فتح الله عليها وانتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.
أما ماذا نرى اليوم... نرى العالم كله يحمل إلينا أفكاره الفاسدة من قومية ووطنية وماركسية وإباحية وديمقراطية... كل الأفكار والمبادئ التي جرّت على البشرية الويلات والحروب، وأردت الإنسان في الدرك الأسفل من الحيوانية، وجعلت حياته دائرة من البؤس والشقاء.
وأما الدولة الإسلامية التي كانت تحمل رسالة الإسلام وترفع راية الجهاد فقد أزالها الكافر وأقام عوضاً عنها دويلات كرتونية تعينه على نشر سمومه وإفساد الأمة، وتمكين مفاهيم الغرب وحضارته من عقول ونفوس المسلمين، وتتصدى لمن يحملون دعوة الإسلام أو يكافحون هذه الأفكار التي هي أفكار ومفاهيم كفر لا تمت للإسلام بصلة من قريب أو بعيد.
وأما الجهاد فقد استبدلت به هذه الكياناتُ الكرتونية الاستسلام، بل وصل الأمر بهم عملياً أن ألغوا الجهاد حتى في حالة الدفاع عن النفس والعرض كما هو الحال في تخاذلهم عن نصرة المسلمين في البوسنة ـ الهرسك.
أيها المسلمون: هذا هو الواقع الذي تعيشونه وتلمسونه جميعاً. أما ما هو المخرج من هذا الواقع الذي تداعت علينا فيه جميع الأمم وخان ولاةُ الأمور الله ورسوله والمؤمنين واتبعوا سبيل الكفار والمجرمين؟
لنكن على علم تام ويقين راسخ أن الإسلام بلا سلطان لا يمكن أن يوجَد حياً في واقع الحياة، وأن المسلمين بدون دولة واحدة ترعى شؤونهم وتحمي بيضتهم وتجمع شملهم وتعمل على أن تأخذ الأمة مكانتها الحقيقية بين الأمم لا يمكن أن تقوم لهم قائمة. ولذا فإن المخرج والحل الوحيد هو عودة الخلافة الإسلامية c
إسراء عبدالرحمن عسيري .. الولاء والبراء
الولاء والبراء
من خصائص المجتمع المسلم أنه مجتمع يقوم على عقيدة الولاء والبراء، الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من كل من حادّ الله ورسوله واتبع غير سبيل المؤمنين .
وهاتان الخاصيَّتان للمجتمع المسلم هما من أهم الروابط التي تجعل من ذلك المجتمع مجتمعا مترابطاً متماسكاً، تسوده روابط المحبة والنصرة، وتحفظه من التحلل والذوبان في الهويات والمجتمعات الأخرى، بل تجعل منه وحدة واحدة تسعى لتحقيق رسالة الإسلام في الأرض، تلك الرسالة التي تقوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعوة الناس إلى الحق وإلى طريق مستقيم .
أهمية عقيدة الولاء والبراء :
تنبع أهمية هذه العقيدة الإسلامية الأصيلة من كونها فريضة ربانية، ومن كونها كذلك سياج الحماية لهوية الأمة الثقافية والسياسية، ولا أدلَّ على أهمية هذه العقيدة من اعتناء القرآن بتقريرها، فمرة يذكرها على اعتبار أنها الرابطة الإيمانية التي تجمع المؤمنين فتحثهم على فعل الصالحات، قال تعالى:} والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم { (التوبة:71 )، ومرة يذكرها محذرا من الانسياق وراء تحالفات تضع المسلم جنبا لجنب مع الكافر في معاداة إخوانه المسلمين، قال تعالى:} لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير { (آل عمران:28)، ومرة يذكر عقيدة الولاء والبراء على أنها الصبغة التي تصبغ المؤمنين ولا يمكن أن يتصفوا بما يناقضها، قال تعالى:} لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22). إلى غير ذلك من الآيات.
وفي بيان أهمية هذه العقيدة يقول العلامة أبو الوفاء بن عقيل :" إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري - عليهما لعائن الله - ينظمون وينثرون كفراً .. وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب "
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:" فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله.. ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان".
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم، فكان يقول لبعضهم: (أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين ) رواه النسائي وأحمد .
ولولاء المؤمن لأخيه صور متعددة نذكر منها:
1. ولاء الود والمحبة: وهذا يعني أن يحمل المسلم لأخيه المسلم كل حب وتقدير، فلا يكيد له ولا يعتدي عليه ولا يمكر به. بل يمنعه من كل ما يمنع منه نفسه، ويدفع عنه كل سوء يراد له، ويحب له من الخير ما يحب لنفسه، قال صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) رواه مسلم .
2. ولاء النصرة والتأييد: وذلك في حال ما إذا وقع على المسلم ظلم أو حيف، فإن فريضة الولاء تقتضي من المسلم أن يقف إلى جانب أخيه المسلم، يدفع عنه الظلم، ويزيل عنه الطغيان، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا يا رسول الله: هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما ؟ قال : تأخذ فوق يديه ) أي تمنعه من الظلم. رواه البخاري ، فبهذا الولاء يورث الله عز وجل المجتمع المسلم حماية ذاتية، تحول دون نشوب العداوات بين أفراده، وتدفعهم جميعا للدفاع عن حرماتهم ، وعوراتهم.
3. النصح لهم والشفقة عليهم: فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: " بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " متفق عليه .
هذا من جهة علاقة الأمة بعضها ببعض والذي يحددها واجب الولاء . أما من جهة علاقة الأمة أو المجتمع المسلم بغيره من المجتمعات الكافرة والتي يحددها واجب البراء، فقد أوجب الله عز وجل على الأمة البراء من الكفر وأهله، وذلك صيانة لوحدة الأمة الثقافية والسياسية والاجتماعية، وجعل سبحانه مطلق موالاة الكفار خروجا عن الملة وإعراضاً عن سبيل المؤمنين، قال تعالى: { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير }(آل عمران:28) فكأنه بموالاته للكافرين يكون قد قطع كل الأواصر والعلائق بينه وبين الله، فليس من الله في شيء.
وتحريم الإسلام لكل أشكال التبعية للكافرين, لا يعني حرمة الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم، كلا ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها، ولكن المقصود والمطلوب أن تبقى للمسلم استقلاليته التامة، فلا يخضع لكافر، ولا يكون ولاؤه إلا لله ولرسوله وللمؤمنين.
ومن أخطر صور الموالاة التي يحرمها الإسلام ويقضي على صاحبها بالردة والكفر ما يلي:
1- ولاء الود والمحبة للكافرين: فقد نفى الله عز وجل وجود الإيمان عن كل من وادَّ الكافرين ووالاهم، قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) ، إلا أن هذه المفاصلة والمفارقة لا تمنع من البر بالكافرين والإحسان إليهم - ما لم يكونوا لنا محاربين – قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ) .
2- ولاء النصرة والتأييد للكافرين على المسلمين: ذلك أن الإسلام لا يقبل أن يقف المسلم في خندق واحد مع الكافر ضد إخوانه المسلمين، قال تعالى :} يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا { (النساء:144)، وقال أيضاً : } ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون { (المائدة:81 ) يقول ابن تيمية عن هذه الآية : " فذكر جملة شرطية تقتضي أن إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف لو التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط فقال: { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } فدلّ ذلك على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، لا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودلَّ ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي، وما أنزل إليه .. ".
وهناك صور للولاء المحرم ولكنها لا تصل بصاحبها إلى حد الكفر، منها:
1- تنصيب الكافرين أولياء أو حكاما أو متسلطين بأي نوع من التسلط على المسلمين، قال تعالى: { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا }(النساء:141)، ولأن أبا موسى الأشعري قدم على عمر رضي الله عنه ومعه كاتب نصراني فانتهره عمر وقال : " لا تأمنوهم وقد خونهم الله، ولا تدنوهم وقد أبعدهم الله، ولا تعزوهم وقد أذلهم الله " ويقول النووي فيما نقله صاحب الكفاية: " لأن الله تعالى قد فسّقهم فمن ائتمنهم فقد خالف الله ورسوله وقد وثق بمن خونه الله تعالى ".
2- اتخاذهم أصدقاء وأصفياء: قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون }(آل عمران:118) قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: " لا تتخذوا أولياء وأصدقاء لأنفسكم من دونكم، يقول: من دون أهل دينكم وملتكم، يعني من غير المؤمنين .. فنهى الله المؤمنين به أن يتخذوا من الكفار به أخلاء وأصفياء، ثم عرفهم ما هم منطوون عليه من الغش والخيانة، وبغيهم إياهم الغوائل، فحذرهم بذلك منهم ومن مخالتهم".
3- البقاء في ديار الكفر دون عذر مع عدم القدرة على إقامة شعائر الإسلام، قال تعالى: { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا } (النساء:97-98).
4- التشبه بهم في هديهم الظاهر ومشاركتهم أعيادهم، قال صلى الله عليه وسلم : (من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود .
أمور لا تقدح في البراء من الكافرين :
ربما ظن البعض أن معاداة الكافرين تقتضي أن يقطع المسلم كل صلة بهم، وهذا خطأ، فالكافر غير المحارب إن كان يعيش بيننا أو سافرنا نحن لبلاده لغرض مشروع فالاتصال به ومعاملته يوشك أن يكون ضرورة لا بد منها، فالقطيعة المطلقة سبب للحرج العظيم بلا شك، ثم هي قطع لمصلحة دعوتهم وعرض الإسلام عليهم قولا وعملا، لذلك أباح الشرع صنوفا من المعاملات معهم منها:
1. إباحة التعامل معهم بالبيع والشراء، واستثنى العلماء بيع آلة الحرب وما يتقووا به علينا، ولا يخفى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته كانوا يبيعون ويشترون من اليهود، بل ومات عليه السلام ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعا من شعير كما روى ذلك أحمد وغيره .
2. إباحة الزواج من أهل الكتاب وأكل ذبائحهم بشروطه، قال تعالى: { اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم }(المائدة: 5).
3. اللين في معاملتهم ولا سيما عند عرض الدعوة عليهم، قال تعالى: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن }(النحل:125)، وهكذا أمر الله نبيه موسى – عليه السلام - أن يصنع مع فرعون، قال تعالى:{ فقولا له قولا لينا }(طه:44).
4. العدل معهم وعدم ظلمهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، قال تعالى: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }( الممتحنة: 8) وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما ) رواه البخاري .
5. الإهداء لهم وقبول الهدية منهم: فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدية المقوقس، كما عند الطبراني بسند رجاله ثقات كما قال الهيثمي في المجمع، وأهدى عمر - رضي الله عنه –حلته لأخ له مشرك كما في صحيح البخاري .
6. عيادة مرضاهم إذا كان في ذلك مصلحة: فعن أنس رضي الله عنه قال: " كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه. فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده. فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. فأسلم. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار ) رواه البخاري .
7. التصدق عليهم والإحسان إليهم: قال تعالى: { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا }(لقمان:15)، وعن أسماء رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة .. فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي، قال: (نعم صلي أمك ) رواه البخاري .
8. الدعاء لهم بالهداية إلى الإسلام، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطوائف من المشركين منهم دوس، فقال صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اهد دوسا وأت بهم ) رواه البخاري .
من ثمرات إحياء عقيدة الولاء والبراء في الأمة :
1. ظهور العقيدة الصحيحة وبيانها وعدم التباسها بغيرها وتحقيق المفاصلة بين أهل الكفر وأهل الإسلام، قال تعالى: { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده }(الممتحنة:4).
2. حماية المسلمين سياسيا، وذلك أن ما يوجبه الإسلام من مبدأ الولاء والبراء يمنع من الانجرار وراء الأعداء، وما تسلط الكفار على المسلمين وتدخلوا في شؤونهم إلا نتيجة إخلالهم بهذا الأصل العظيم .
3. تحقيق التقوى والبعد عن مساخط الله سبحانه، قال تعالى: { ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون }(المائدة :80)، وقال تعالى:{ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار }(هود:113) .
إن عقيدة الولاء والبراء هي عقيدة صيانة الأمة وحمايتها من أعدائها، كما أنها سبب للألفة والإخاء بين أفرادها، وهي ليست عقيدة نظرية تدرس وتحفظ في الذهن مجردة عن العمل؛ بل هي عقيدة عمل ومفاصلة، ودعوة ومحبة في الله، وكره من أجله وجهاد في سبيله؛ فهي تقتضي كل هذه الأعمال، وبدونها تصبح عقيدةً نظرية سرعان ما تزول، وتضمحل عند أدنى موقف أو محك .
إسراء عبدالرحمن عسيري .. الكفر
الكفر
الحمد لله
وبعد : فالكلام على حقيقة الكفر وأنواعه يطول لكن سنجمل الكلام
عليه من خلال النقاط التالية :
أولاً : أهمية معرفته ومعرفة أنواعه :
دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الإيمان لا يصح ولا يقبل إلا بأمرين
ـ هما معنى شهادة أن لا إله إلا الله " ـ وهما الاستسلام لله بالتوحيد ، والبراءة
من الكفر والشرك بجميع أنواعه.
ولا يمكن للشخص أن يتبرأ من شيء ويحذره إلا بعد أن يعرفه ويتبينه ،
فعلم بهذا ضرورة تعلم التوحيد للعمل به وتحقيقه ، ومعرفة الكفر والشرك للحذر منه
ومجانبته .
ثانيا ً: تعريف الكفر
الكفر في اللغة : ستر الشيء وتغطيته
وأما في الاصطلاح الشرعي فهو " عدم الإيمان بالله ورسله ، سواءً
كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب ، بل شك وريب ، أو إعراض عن الإيمان حسدا ًأو
كبراً أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة فالكفر صفةٌ لكل من جحد
شيئاٌ مما افترض الله تعالى الإيمان به ، بعد أن بلغه ذلك سواء جحد بقلبه دون
لسانه، أو بلسانه دون قلبه ، أوبهما معاٌ ، أو عمل عملاٌ جاء النص بأنه مخرج له
بذلك عن اسم الإيمان " انظر [مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 12/335] و[
الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم : 1 / 45 ] .
وقال ابن حزم في كتابه الفصل : " بل الجحد لشيء مما صح البرهان أنه
لا إيمان إلا بتصديقه كفرٌ ، والنطق بشيء من كل ما قام البرهان أن النطق به كفرٌ
كفر ، والعمل بشيء مما قام البرهان بأنه كفرٌ كفر "
ثالثا : أنواع الكفر الأكبر المخرج من الملة :
قسم العلماء الكفر إلى عدة أقسام تندرج تحتها كثير من صور الشرك
وأنواعه وهي :
1) كفر الجحود والتكذيب :
وهذا الكفر تارة يكون تكذيباً
بالقلب ـ وهذا الكفر قليل في الكفار كما يقول ابن القيم رحمه الله ـ وتارة يكون
تكذيبا باللسان أو الجوارح وذلك بكتمان الحق وعدم الانقياد له ظاهرا مع العلم به
ومعرفته باطنا ً، ككفر اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد قال الله تعالى عنهم :
( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) البقرة/89 وقال أيضا : ( وإن فريقا منهم ليكتمون
الحق وهم يعلمون ) ( البقرة :146 ) وذلك أن التكذيب لا يتحقق إلا ممن علمَ الحقَّ
فرده ولهذا نفى الله أن يكون تكذيب الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم على الحقيقة
والباطن وإنما باللسان فقط ؛ فقال تعالى : ( فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ
وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) الأنعام/33 وقال عن فرعون
وقومه : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً)
النمل/14
ويلحق بهذا الكفر كفر الاستحلال فمن استحل ما عَلِم من
الشرع حرمته فقد كذَّب
الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، وكذلك من
حَرَّم ما عَلِم من الشرع حِله .
2) كفر الإعراض والاستكبار :
ككفر إبليس إذ يقول الله
تعالى فيه : ( إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)
البقرة/34
وكما قال تعالى : ( وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) النور/47 فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل ، وإن
كان أتى بالقول . فتبين أن كفر الإعراض هو : ترك الحق لا يتعلمه ولا يعمل به سواء
كان قولا أو عملا أو اعتقادا . يقول تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا
أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ) الأحقاف/3 فمن أعرض عما جاء به الرسول بالقول كمن قال لا
أتبعه ، أو بالفعل كمن أعرض وهرب من سماع الحق الذي جاء به أو وضع أصبعيه في أذنيه
حتى لا يسمع ، أو سمعه لكنه أعرض بقلبه عن الإيمان به ، وبجوارحه عن العمل فقد كفرَ
كُفْر إعراض.
3) كفر النفاق :
وهو ما كان بعدم تصديق القلب وعمله ، مع
الانقياد ظاهرا رئاء الناس ككفر ابن سلول وسائر المنافقين الذين قال الله تعالى
عنهم : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ .يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا
يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ .. الخ الآيات ) البقرة/8–20
4) كفر الشك والريبة :
وهو التردد في اتباع الحق أو
التردد في كونه حقاً ، لأن المطلوب هو اليقين بأن ما جاء به الرسول حق لا مرية فيه
، فمن جوَّز أن يكون ما جاء به ليس حقا ًفقد كفر؛ كفر الشك أو الظن كما قال تعالى :
( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ
هَذِهِ أَبَداً . وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى
رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً . قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ
يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ
سَوَّاكَ رَجُلاً . لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً)
الكهف/35-38
فنخلص من هذا أن الكفر ـ وهو ضد الإيمان ـ قد يكون تكذيبا
بالقلب ، فهو مناقض لقول القلب ِأي تصديقه ، وقد يكون الكفر عملاً قلبياً كبغض الله
تعالى أو آياته ، أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا يناقض الحب الإيماني الذي هو
آكد أعمال القلوب وأهمها . كما أن الكفر يكون قولاً ظاهرا كسب الله تعالى ، وتارة
يكون عملا ظاهراً كالسجود للصنم ، والذبح لغير الله ، فكما أن الإيمان يكون بالقلب
واللسان والجوارح فكذلك الكفر يكون بالقلب واللسان والجوارح . نسأل الله أن يعيذنا
من الكفر وشعبه ،و أن يزينا بزينة الإيمان ويجعلنا هداة مهتدين ... آمين . والله
تعالى أعلم .
ينظر ( أعلام السنة المنشورة 177 ) و ( نواقض الإيمان القولية
والعملية للشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف36 – 46 ) و ( ضوابط التكفير للشيخ عبد
الله القرني 183 – 196 ).
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
الشيخ محمد صالح المنجد
إسراء عبدالرحمن عسيري .. النفاق
النفاق
إن النفاق داء عضال، وانحراف خلقي خطير في حياة الأفراد، والمجتمعات، والأمم، فخطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وتبدو خطورته الكبيرة حينما نلاحظ آثاره المدمرة على الأمة كافة، وعلى الحركات الإصلاحية الخيِّرة خاصة؛ إذ يقوم بعمليات الهدم الشنيع من الداخل، بينما صاحبه آمن لا تراقبه العيون ولا تحسب حسابًا لمكره ومكايده، إذ يتسمى بأسماء المسلمين ويظهر بمظاهرهم ويتكلم بألسنتهم.
وإذا نظرت إلى النفاق نظرة فاحصة لوجدته طبخة شيطانية مركبة من جبن شديد، وطمع بالمنافع الدنيوية العاجلة، وجحود للحق، وكذب.. ولك أن تتخيل ما ينتج عن خليط كهذا!!.
وإذا نظرنا إلى النفاق في اللغة لوجدناه من جنس الخداع والمكر، وإظهار الخير وإبطان الشر.
أقسام النفاق:
ذكر كثير من أهل العلم أن النفاق قسمان:
النفاق الاعتقادي: ويسميه بعضهم: النفاق الأكبر، وبينه الحافظ ابن رجب رحمه الله بأن: يُظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كلَّه أو بعضه. قال: وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار.
قال الله تعالى:(إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا).(النساء:145).
الثاني فهو النفاق العملي أو الأصغر، وهو التخلق ببعض أخلاق المنافقين الظاهرة كالكذب،والتكاسل عن الصلاة..مع الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا".
من أهم صفات المنافقين:
إن للمنافقين صفات كثيرة نشير إليها مجرد إشارات مختصرة، وإلا فإن التفصيل يحتاج إلى مؤلفات تفضح ما هم عليه، ومن هذه الصفات:
1- أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)[البقرة:8].
2- أنهم يخادعون المؤمنين: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)[البقرة:9].
3- يفسدون في الأرض بالقول والفعل: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)[البقرة:12].
4- يستهزءون بالمؤمنين: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[البقرة:14، 15]
5- يحلفون كذبًا ليستروا جرائمهم: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[المنافقون:2].
6- موالاة الكافرين ونصرتهم على المؤمنين: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً)[النساء:138-140].
ويقول الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)[الحشر:11، 12].
7- العمل على توهين المؤمنين وتخذيلهم: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً)[الأحزاب:12-18].
8- تدبير المؤامرات ضد المسلمين أو المشاركة فيها، والتاريخ مليء بالحوادث التي تثبت تآمر المنافقين ضد أمة الإسلام، بل واقعنا اليوم يشهد بهذا، فما أوقع كثيرًا من المجاهدين في قبضة الكافرين والأعداء إلا تآمر هؤلاء المنافقين في فلسطين، في الشيشان، وغيرهما.
9- ترك التحاكم إلى الله ورسوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)[النساء:60-63].
هكذا حال المنافقين، فهم حين لا يقبلون حكم الله ورسوله، ويفتضح نفاقهم، يأتون بأعذار كاذبة ملفقة، ويحلفون الأيمان لتبرئة أنفسهم، ويقولون: إننا لم نرد مخالفة الرسول في أحكامه، وإنما أردنا التوفيق والمصالحة، وأردنا الإحسان لكل من الفريقين المتخاصمين. ومن عجيب أمرهم في ذلك أنهم إذا وجدوا الحكم لصالحهم قبلوه، وإن يك عليهم يعرضوا عنه، كما أخبر الله بذلك حيث قال: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[النور:47-50].
10- ومن صفاتهم الخبيثة طعنهم في المؤمنين وتشكيكهم في نوايا الطائعين: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[التوبة:79].
فهم لا يعرفون الإخلاص، وما تحققت في قلوبهم العبودية لله، فظنوا أن المؤمنين كالمنافقين ، لا يفعلون طاعة إلا لغرض دنيوي، فالفنانة التي تابت قبضت الملايين-بزعمهم-، والمجاهدون قوم فشلوا في الحياة فاختاروا الانتحار... إلخ.
وفي نهاية حديثنا عن النفاق نود أن نبين أن ما ذكرناه إنما هو قليلٌ من كثير من صفاتهم، وربما كان لنا معهم وقفات أخرى.
أعاذنا الله وإياكم من النفاق، وكفى الأمة شر المنافقين.
إسراء عبدالرحمن عسيري .. الشرك
الشرك
الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وجامع الناس إلى يوم الدين، المتفرد بالجلال والكمال والإكرام، لا إله معه ولا شريك، خلق كل شيء فقدره تقديراً، فله الحمد في الآخرة والأولى، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير؛ محمد بن عبدالله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد خلق الله - تبارك وتعالى - الإنسان وأكرمه ونعَّمه، وأرسل إليه الرسل ليدلوه على الله - تبارك وتعالى -، وكانت الغاية من إرسالهم هي إفراد الله - تبارك وتعالى - بالعبادة قال - تعالى -: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}1، فأمروا بعبادة الله، وحذروا من الشرك بالله - تبارك وتعالى - لأنه أعظم ما عُصِيَ به منذ بدء الخلق إلى يومنا هذا، وقد وصف الله - تبارك وتعالى - هذا الذنب بالظلم العظيم فقال - تعالى -: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}2، وما ذلك إلا لما فيه من الجناية العظيمة في حق الخالق - تبارك وتعالى -، فإذا كان الله هو الذي خلق ورزق، وهو الذي يحيي ويميت، وينعم بكل هذه النعم والمنن؛ فكيف يحق للمشرك به أن يجحد ذلك كله وينكره، ويصرف عبادته وتعظيمه لغير الله - تبارك وتعالى -.
تعريف الشرك:
هو جعل شريك لله - سبحانه وتعالى - في ربوبيته أو إلهيته، والغالب هو الإشراك في الألوهية بأن يدعو مع الله غيره، أو يصرف له شيئاً من أنواع العبادة كالذبح، أو النذر، أو الخوف، أو الدعاء3 قال المناوي - رحمه الله -: "الشرك إما أكبر وهو إثبات الشريك لله - تعالى -، أو أصغر وهو مراعاة غير الله في بعض الأمور"4 وهو الرياء.
الآيات الواردة في ذم الشرك:
لقد أنزل الله - تبارك وتعالى - ذم الشرك في كتابه الكريم، وحذرنا منه أيما تحذير كيف لا وهو اتخاذ الند لله - تبارك وتعالى -، واعتبره من الكبائر الموبقة، فإن من أشرك بالله - تعالى - فقد افترى إثماً عظيماً، وضل ضلالاً بعيداً؛ نسأل الله السلامة والعافية قال الله - تبارك وتعالى -: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا}5، وقال الله - تبارك وتعالى -: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}6، وقال الله - تبارك وتعالى -: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا }7، وقال: {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}8، وقال الله - تبارك وتعالى - في وجوب البراءة من المشركين: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}9، وقال: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}10، وغير ذلك من الآيات.
الأحاديث الواردة في ذم الشرك:
وقد ورد ذم الشرك في أحاديث عدة سوف نستعرض بعضاً مما صح منها:
- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))11.
- ومنها حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((آتاني آت من ربي فأخبرني - أو قال - بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة))، قلت: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى، وإن سرق))12.
- ومنها حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار)) وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة"13.
- وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ فقال: ((من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار))14، وغير ذلك من الأحاديث.
أنواع الشرك:
والشرك بالله - تبارك وتعالى - ينقسم إلى قسمين:
1- شرك أكبر يخرج من الملة.
2- شرك أصغر لا يخرج من الملة.
قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي - رحمه الله - في نوعي التوحيد:
والشرك نوعان فشرك أكبر به خلود النار إذ لا يغفر
وهو اتخاذ العبد غيــر الله نداً به مسويـاً مضاهي15
النوع الأول: شرك أكبر يخرج صاحبه من الملة، ويخلده في النار إذا مات ولم يتب منه، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله؛ كالدعاء لغير الله، والتقرب بالذبح والنذر لغير الله من قبور وجن، والخوف من الموتى أو الجن أن يضروه أو يمرضوه، ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات، وتفريج الكربات مما يفعله الصوفية والروافض حول قبور الصالحين وغيرهم كما يفعل في قبر الحسن والحسين، وكما يفعل في كربلاء، وعند قبر البدوي، والسيدة زينب، والجيلاني قال الله - تبارك وتعالى -: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}16، وقال عن هؤلاء المعبودين: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}17.
النوع الثاني: شرك أصغر لا يخرج من الإسلام لكنه ينقص التوحيد، وهو وسيلة إلى الوصول إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله - تعالى -، وهو قسمان كما قال ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -:
القسم الأول: شرك ظاهر وهو ألفاظ وأفعال، فالألفاظ كالحلف بغير الله قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))18 صحيح رواه أبو داود وغيره، ونحو قوله "ما شاء الله وشئت"، ولما قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما شاء الله وشئت، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أجعلتني لله نداً؟ قل ما شاء الله وحده))19 ونحو قوله: لولا الله وفلان، والصواب أن يقول: لولا الله ثم فلان، وما شاء الله ثم فلان.
وأما الأفعال فمثل لبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه، ومثل تعليق التمائم خوفاً من العين وغيرها، هذا إن اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء أو دفعه فهذا شرك أصغر لأن الله لم يجعل هذه أسباب، وأما إن اعتقد أنها هي بنفسها تدفع أو ترفع البلاء فهذا شرك أكبر لأنه تعلق بغير الله.
القسم الثاني: شرك خفي وهو الشرك في الإرادات والنيات كالرياء والسمعة وهو أن يعمل عملاً مما يتقرب به إلى الله - تعالى - يريد به ثناء الناس عليه، كأن يحسن صلاته، أو يتصدق لأجل أن يمدح ويثنى عليه، والرياء إذا خالط العمل أبطله قال - تعالى -: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}20؛ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: ((الرياء))21"22.
بعض مظاهر الشرك:
وللشرك صور عديدة ورد النهي عنها في الشرع، وحذر منها العلماء، ومن ذلك:
1- الاستغاثة والتوسل بغير الله - تبارك وتعالى -: وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في التوسل ودعاء غير الله من الملائكة والأنبياء وغيرهم: "بعد موتهم عند قبورهم، وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم؛ هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين من غير أهل الكتاب، وفي مبتدعة أهل الكتاب والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات ما لم يأذن به الله - تعالى -، قال الله - تعالى -: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}23، فإن دعاء الملائكة والأنبياء بعد موتهم، وفي مغيبهم، وسؤالهم، والاستغاثة بهم، والاستشفاع بهم في هذه الحال، ونصب تماثيلهم - بمعنى طلب الشفاعة منهم -؛ هو من الدين الذي لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولاً، ولا أنزل به كتاباً، وليس هو واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين، وإن كان ذلك مما يفعله كثير من الناس ممن له عبادة وزهد، ويذكرون فيه حكايات ومنامات؛ فهذا كله من الشيطان، وفيهم من ينظم القصائد في دعاء الميت، والاستشفاع به، والاستغاثة، أو يذكر ذلك في ضمن مديح الأنبياء والصالحين؛ فهذا كله ليس بمشروع، ولا واجب، ولا مستحب باتفاق أئمة المسلمين، ومن تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة؛ وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة؛ فهو ضال مبتدع بدعة سيئة لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين، فإن الله لا يعبد إلا بما هو واجب أو مستحب"24.
2- الزيارة البدعية للمقابر: فإن المقصود الشرعي من الزيارة هو الدعاء للأموت، وتذكر الآخرة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة))25؛ أما إن كان القصد منها دعاء الميت، أو طلب الحاجات منه، أو الاستغاثة به؛ فهذه زيارة بدعية شركية - والعياذ بالله - قال العلامة الحافظ الحكمي - رحمه الله تعالى -:
ثم الزيارة على
أقســـام ثلاثــة يا أمة الإسلام
فإن نوى الزائر
فيما أضمره في نفسه تذكرة بالآخرة
ثم الدعــاء له
وللأموات بالعفو والصفح عن الزلات
ولم يكن شد
الرحال نحوها ولم يقل هجر كقول السفهاء
فتلك سنة أتــت
صريحة في السنن المثبتة الصحيحة
أو قصد الدعـاء
والتوسلا بهم إلى الرحمـن جل وعلا
فبدعة محـــدثة
ضلالـة بعيدة عن هدي ذي الرسالة
وإن دعا
المقبور نفسه فقـد أشرك بالله العظيـم وحجد
لن يقبل الله
تعـــالى منه صرفاً ولا عدلاً فيعفـو عنه
إذ كل ذنب
موشك الغفران إلا اتخـــاذ الند للرحمن26
3- الذبح لغير
الله - تبارك وتعالى -: مع أن الله - تبارك وتعالى - يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ
أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}27.4- الحلف بغير الله - تبارك وتعالى - وقد تقدم.
5- الخوف من غير الله، والتوكل على غير الله، ومحبة غيره أشد من حبه - تبارك وتعالى -: والخوف من غير الله تبارك وتعالى - ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- قسم شرك بالله - تبارك وتعالى -.
2- وقسم محرم.
3- وقسم مباح
كما قال العلامة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ:
"القسم الأول: الخوف الشركي وهو خوف السر، يعني: أن يخاف في داخله من هذا المخوف منه، وخوفه لأجل ما عند هذا المخوف منه مما يرجوه، أو يخافه من أن يمسه سراً بشيء، أو أنه يملك له في آخرته ضراً أو نفعاً، فالخوف الشركي متعلق في الدنيا بخوف السر، بأن يخاف أن يصيبه ذلك الإله بشر، وذلك شرك.
والخوف المتعلق بالآخرة معناه أن يخاف العبد غير الله، ويتعلق خوفه بغير الله من أن لا ينفعه ذلك الإله في الآخرة، فلأجل رغبة في أن ينفعه ذلك الإله في الآخرة، وأن يشفع له، وأن يقربه منه في الآخرة، وأن يبعد عنه العذاب في الآخرة؛ خاف منه، فأنزل خوفه به؛ فالخوف من العبادات العظيمة التي يجب أن يفرد الله - جل وعلا - بها، وسيأتي مزيد تفصيل لذلك.
والقسم الثاني: الخوف المحرم وهو أن يخاف من مخلوق في امتثال واجب، أو البعد عن المحرم مما أوجبه الله أو حرمه، كأن يخاف من مخلوق في أداء فرض من فرائض الله، وفي أداء واجب من الواجبات، فلا يصلي خوفاً من مخلوق، ولا يحضر الجماعة خوفاً من ذم المخلوق له، أو استنقاصه له؛ فهذا محرم، قال بعض العلماء: وهو نوع من أنواع الشرك، لأن ترك الأمر والنهي الواجب بشرطه خوفاً من ذم الناس، أو من ترك مدحهم له، أو من وصمهم له بأشياء؛ فيه تقديم لخوف الناس على خوف الله - تعالى -، وهذا محرم؛ لأن الوسيلة إلى المحرم محرمة.
القسم الثالث: الخوف الطبيعي المأذون به، وهذا أمر طبيعي كخوف من عدو، أو من سبع، أو من نار، أو من مؤذ ومهلك، ونحو ذلك.
وقال في قوله: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}28 أمر بالخوف منه - جل وعلا -، فدل على أن الخوف عبادة من العبادات، وتوحيد الله بهذه العبادة توحيد، وإشراك غير الله معه في هذه العبادة شرك؛ والخوف من الخلق - كما ذكرنا - في ترك فريضة الجهاد إنما يكون من جراء الشيطان، فالشيطان هو الذي يخوف المؤمنين من أوليائه، ويخوف أهل التوحيد وأهل الإيمان من أعداء الله - جل وعلا - لكي يتركوا الفريضة؛ فلهذا كان ذلك الخوف محرماً يعني: الخوف من الأعداء الذي يترتب عليه ترك فريضة من فرائض الله من الجهاد وغيره، والواجب ألا يخاف العبد إلا ربه - جل وعلا -، وأن ينزل خوفه به، وألا يخاف أولياء الشيطان"29.
مضار الشرك بالله - تبارك وتعالى -:
1- حبوط الأعمال وذلك لقول الله - تبارك وتعالى - لأكرم الخلق - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}30، وقال الله - تبارك وتعالى -: {ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}31.
2- الخلود في نار جهنم - والعياذ بالله تبارك وتعالى - فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار))، وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة))32، و عنه - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمة وقلت أخرى، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار، وقلت أنا: من مات وهو لا يدعو لله نداً دخل الجنة))33.
3- الشرك بالله من أعظم المعاصي لقول الله - تعالى -: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}34.
هذا ما تيسر القول في هذا المقام، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يجعلنا من الموحدين المخلصين له، وأن يجنبنا الشرك في القول والعمل، وأن يجنبنا الزلل بمنه وكرمه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)