زوار الصفحة

الجمعة، 29 مارس 2013

لوجين نصار المغامسي .. الغلو في الدين



 أيها الأخوة المؤمنون، هذا الدرس من نوع جديد، يتعلق بخطر شديد، له تأثير سلبي في المؤمنين، هذا الخطر الشديد هو الغلو في الدين، ويُستقَى هذا الموضوع من قول الله عز وجل:
﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾
[ سورة النساء: 171 ]
 نهي!
﴿ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾
[ سورة النساء: 171 ]
 وهذا الموضوع أيضاً مستقى من آية أخرى، يقول الله عز وجل:
﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾
[ سورة المائدة: 77 ]
 آية أخرى تنهانا عن الغلو في الدين، كما أن التفريط مهلك، والإفراط مهلك، والتسيب، والتحلل، والخروج من أوامر الشرع، والتفلت من قيود هذا الدين العظيم مهلك، والغلو في الدين أيضاً مهلك.
لا بدّ من التوازن بين كليات الدين :
 الله عز وجل في آيات كثيرة جداً نهانا عن المعصية، وعن التقصير، والكسل وحب الدنيا، لكن في آيات أخرى نهانا عن الغلو في الدين، معنى ذلك كما يقولون: الإسلام وسطي؛ أي يبتعد عن التطرف، لا إلى اليمين، ولا إلى اليسار، لا إلى جهة الإفراط، ولا إلى جهة التفريط، الإيمان وسطي، يعتمد على التوازن بين جوانب الإنسان، الإنسان له جانب جسمي، فالعناية بالجسم، والعناية بالصحة، والانتباه لما يدخل في الفم هذا من الدين، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ، وَأَفْطِرْ، وَقُمْ، وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً …))
[البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ]
 لأن جسدك يحمل نفسك، وهذا الجسد، وهذه النفس تعيش في الدنيا لمهمة خطيرة، فأساس الدين التوازن من الناحية الجسمية، والعقلية، والنفسية، فكما أن العقل غذاؤه العلم، فالقلب غذاؤه الحب، إنسان لا يشعر بحاجة إلى أن يكون محبوباً! ولا يشعر بحاجة إلى أن يحب الله عز وجل! فهو إنسان لا ينتمي إلى جنس البشرية، فلا بد من التوازن بين مطالب الجسم ومطالب الروح والعقل، ولا بد من التوازن بين كليات الدين.
1 ـ الكلية الأولى طابعها علمي :
 الدين فيه كليات، أبرزها الناحية العلمية، لأنك إذا أردت الله عز وجل فيجب أن تتعلم، لأنّ العلم طريق إلى الله عز وجل، بل هو الطريق الوحيد إلى الله.
 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، بالعلم تعرف الله عز وجل، وإذا عرفته طبقت أمره، وإذا طبقت أمره سعدت في الدنيا والآخرة.
 أحياناً أميل للكليات، الدين كله معرفة، وسلوك، وسعادة، جانب معرفي، وجانب عقلاني، وجانب عملي، وجانب عاطفي، فأنت بحاجة لأن تكون سعيداً، لذلك تتمرن بالقلق، والضياع، والتشتت، والشعور باليأس، والسوداوية، والخنوع، والخمول، هذه كلها مشاعر مَرَضية تأتي من الشرك والمعصية.
 العوام أحياناً لهم كلمات لطيفة، الإنسان يجب أن يكون حكيمَ نفسه، القصد في الطعام والشراب، هذه الأكلة لا تناسبك فدَعْهَا، أما المعنى الأعمق عندما تستقيم ألاَ تشعر براحة نفسية؟ عندما تمشي على المنهج الصحيح ألاَ تشعر بطمأنينة؟ ألا تشعر بحب الله عز وجل؟ هذا الشعور تضحي به بسهولة من أجل معصية، ولذَّةٍ سريعةٍ؟!!
 ألا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً، ورب أكلة منعت أكلات، ألا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة.
الإيمان ليس مجرد قناعات فقط :
 أنت يجب بعد فترة من الوقت أن تصبح حكيمَ نفسك، تشعر متى تسعد؟ تسعد إذا صليت الصلوات في أوقاتها، وإذا أتقنت هذه الصلوات، وإذا كان غض بصرك حازماً، وإذا كان لسانك منضبطاً، وإذا كان دخلك حلالاً، وإذا كان الإنفاق حلالاً.
 موضوع الجوارح، واستقامة العين، والأذن، واللسان، واليد، واستقامته في مهنته، ودخله، وإنفاقه، وزواجه، وعلاقته ببناته، وجيرانه، وعمله، فعندما تكون مستقيماً ألاَ تجد الفرق واضحاً جداً؟ الثمرة يانعة تقطفها، وتسعد بها، فَعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبّاً وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً))
[مسلم عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]
 هل ذقت طعم الإيمان؟ لا تظنوا أيها الأخوة أن الإيمان قناعات فقط. 
 حدثني رجل: طبيب ألقى محاضرة في مضار التدخين، وأطلعهم على فيلم وثائقي لسرطان الرئة، لدرجة أن الحاضرين كادوا يتمزقون خوفاً من أن يدخنوا، وبعد أن انتهت المحاضرة أشعل سيجارة، وقال: من له سؤال! هذا الطبيب عنده قناعات عالية جداً، لكنّ القناعات لا تكفي. والنبي قال:
((ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ...))
[مسلم عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]
﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾
[ سورة الفتح: 4]
 فالذي يثبتك في الدين هذا التجلي لله عز وجل، لا يوجد أحد منكم قام للصلاة فبكي، وقال: لا أنسى هذه الصلاة، شعرت بسعادة لا توصف، فالذي يثبت الإنسان فضلاً عن قناعاته، وعن منطلقاته الفكرية الذي يثبته سعادته، فأنت بحاجة لجسد قوي، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ......))
[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
الإسلام وسطي وازن بين مطالب الجسد ومطالب النفس ومطالب العقل :
 لا أكتمكم أبداً أن أثمن نعمة بعد الهدى هي الصحة، من موضوع الصحة أضطر لأدخل بموضوع دقيق يغيب عن معظم الناس.
 ربنا عز وجل وضع لهذا الجسد قوانين وقواعد، هل تدري أنه من طاعة الله تعالى أن تتأدب مع هذه القوانين؟ إذا كنت معظِّماً لله فهذه قوانينه، والمؤمن يحترم قوانين الله عز وجل، فكل إنسان يهمل صحته يقول: أنا يحبني الله، أنا متوكل على الله، كل وسمِّ الله، لا يضر مع اسمه شيء، إذا كانت علاقتك بجسدك علاقة ليست علمية، بل علاقة جهل فعلى الإنسان أن يستعد لمتاعب لا حصر لها، لذلك أنا أقول لكم، وأعني ما أقول: العناية البالغة بالجسد جزء من الدين، ومعنى العناية؛ هذا الجسد آلة بالغة التعقيد، صممته يا ربّ تصميماً عالياً جداً، فالعناية بالجسد من حيث اتباع القوانين يعني أنك تطيع الله عز وجل، فنحن لا نقول: إن العناية بالصحة تطيل العمر هذا كلام الغربيين.
 أقول لكم: العمر عمر، والأجل أجل، لكن هذه السنوات القليلة التي سمح لك الله أن تعيشها، فبين أن تعيشها مريضاً، وبين أن تعيشها صحيحاً، إنسان ملازمٌ للفراش ثلاثين سنة، مات بأجله، لم ينقص من أجله ولا ساعة، بل ولا ثانية، لكن الفرقَ بيِّنٌ بَيْنَ إنسان متَّعه الله بالصحة والقوة، فحركته نشيطة، ورأس مالك صحتك، وبيْن إنسانٍ ابتلاه الله طول حياته بمرض عضال.
 فهذه النقطة دقيقة جداً، دعوا في أذهانكم هذه الحقيقة: أُولى النعم التي تفضل الله بها عليك الهدى، ثم الصحة، ثم الكفاية، فإذا عرفت الله عز وجل، وكنت لا تشكو شيئاً، وذا كفاية فقد حزت الدنيا بحذافيرها.
 الإسلام وسطي، فقد وازن بين مطالب الجسد، وبين مطالب النفس، وبين مطالب العقل، فالعقل غذاؤه العلم، والقلب والنفس غذاؤهما الحب والقيم، والجسد غذاؤه الطعام والشراب، فالدين كما قلت قبل قليل له كليات، القسم العلمي المعرفي، طلبُ العلم، العقيدة الصحيحة أن تؤمن بالله خالقاً، ومربياً، ومسيراً، وموجوداً، وواحداً، وكاملاً، وصفات قدرته وكماله لا حدَّ لها، أن تؤمن بأنبيائه، وبكتبه، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، هذه كليات أن تتعرف إلى أحكام الفقه المتعلقة بحياتك، فأنت كزوج، أو كزوجة، أو كتاجر، أو كموظف، أو كمحامٍ، أو كمدرِّس يجب أن تعرف الأحكام الفقهية المتعلقة بحياتك الشخصية، وبحياتك المهنية.
2 ـ الكلية الثانية عملية :
 الكلية الثانية في الدين إضافة إلى هذه العقيدة الصحيحة، وهذا الإيمان المبني على دليل، وهذا البحث الدقيق، إضافة إلى الناحية العلمية لا بد من ناحية سلوكية، لا تنسوا هذه المقولة: علم بلا عمل جنون، وعمل بلا علم لا يكون.
عمل راقٍ من دون علم بالله مستحيل لا يكون، وعلم بلا عمل جنون، والله عز وجل في أكثر من مئتي آية في القرآن قَرَنَ الإيمان بالعمل الصالح.
 فالكلية الأولى طابعها علمي، الكلية الثانية عملية، سلوك ضبط لسان، والسلوك نوعان؛ سلوك سلبي، ضبطت لساني، وجوارحي، وعيني، وأذني، وقدماي تحركت إلى المساجد، وإلى طاعة الله عز وجل، والشيء الإيجابي البذل في العمل، الاستقامة طابعها سلبي، والعمل الصالح طابعه إيجابي، الاستقامة تمهيد الطريق إلى الله عز وجل، والعمل الصالح حركة على هذا الطريق، هذه الناحية العملية.
3 ـ الكلية الثالثة طابعها انفعالي :
 الناحية الثالثة: الناحية الانفعالية، أنت غير جسمك، وغير عقلك، لك قلب، وهذا القلب تنتابه مشاعر، أحياناً تجد نفسك مرتاحاً، أو منزعجاً، أو تجد قلبك مقبوضاً، أو تشعر بضيق، أو تشعر بملل، هذه المشاعر يجب أن تنتبه إليها، فالمشاعر لها أثر كبير في السلوك، فإذا كانت هناك مشاعر مثبّطة، فتجد نفسَك قد بَرَكَتْ، وإذا كان ثمة مشاعر محركة تتحرك، يمكن أن تكون المشاعر من نوع المحرك، بعض الصوفيين يسمونه حالاً، الله سماه السكينة، الصحابي الجليل سيدنا حنظلة قال: ماذا قال؟ عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ:
(( لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيراً، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيراً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ))
[مسلم عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ]
 أليس لك مشاعر متألقة؟ ألا تشعر بعد عمل صالح، وبعد أداء الصلوات، وبعد خدمة إنسان، ومجلس علم، ودعوة إلى الله، ألا تشعر بسعادة، وكأنك تملك الدنيا؟ فأنت حكيم نفسك، يجب أن ترعى الناحية العقلية، وتعتني بإيمانك، وبتصوراتك الصحيحة، وبقناعاتك، والناحية السلوكية، والناحية الانفعالية.
الغلو أنْ تأخذ أحد الجوانب فتجعله الدين كله :
 أنا كنت أقول دائماً: الإيمان مرتبة علمية، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً، ومرتبة سلوكية، المؤمن أخلاقي، ومنضبط، وهناك منظومة قيم، تضبط سلوكه، وليس متروكاً على هواه ومزاجه، أنا لا يحلو لي إلا أن أقول عن الإنسان الكافر الفاجر: دابة متفلِّتة، يرفس، تحسن له فيسيء، يأخذ ما له وما ليس له، كالبهيمة، أما المؤمن فتضبطه آلاف المشاعر، والكلية الثالثة: الحال، الآن عنوان الدرس الغلو في الدين، فما الغلو في الدين؟ أن تأخذ كلية من كليات الدين، فتجعلها الدين كله! أن تعتقد أن الدين فقط مطالعة، وتأليف، ومعلومات دقيقة، وأفكار، فتجده متفوقاً جداً في العلم، لكن قلبه متصحر، العقل من ذهب، والقلب من حديد، نريد العقل والقلب من ذهب، فإذا كان العقل ذهباً، والقلب ذهباً فلا بأس، لكن بشرط أن يكون ذهباً خالصاً، ليس العقل ذهباً، والقلب حديداً صدئاً.
 وقد ورد في الأثر: "إن القلوب لتصدأ، قيل: وما جلاؤها؟ قال: ذكر الله".
 فذكر الله عز وجل يطمئن القلب، قال الله عز وجل:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
[ سورة طه: 14]
 وآية ثانية قال:
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
[ سورة الرعد: 28]
 فأنت إذا بحثت عن سعادتك النفسية وجدتَها في الصلاة، وفي الذكر، وفي تلاوة القرآن، والتسبيح، والحمد، والاستغفار، هذا جانب من جوانب الدين. 
 فأول جانب في الدين الجانب العلمي، والجانب الثاني هو الجانب الانفعالي الشعوري، والثالث سلوكي، الغلو: أنْ تأخذ أحد الجوانب فتجعله الدين كله.
الغلو معناه مجاوزة الحد والحد هو النص الشرعي :
 بعضهم يرى أن صفاء القلب هو الدين كله، لذلك معلوماته الفقهية ضعيفة جداً، وفيها يرتكب أخطاء كبيرة، وليس معه دليل لكن يشعر بالصفاء، فهذا غلو في الدين، والذي اعتنى بمعلوماته، وبالأفكار، والدراسات صار طليق اللسان، لكن في قلبه صدأ، وفي عمله كسل، هذا غلو في الدين، أن تحل كُلِّية من كليات الدين محل الدين كله، فما قولكم بمن يأخذ فرعاً من فروع الدين ويجعله الدين كله؟ هذا أشد أنواع الغلو، أن تأخذ كلية من كليات الدين، وتجعلها الدين كله، هذا غلو لا شك فيه، أما أن تأخذ فرعاً صغيراً من فروع الدين، وتجعله الدين كله فهذا غلو، وأيُّ غلو، نحن مطلوب منا التوازن، عندما ترجح جانباً على جانب، وتضخم جانباً، وتصغر جانباً فقد وقعت في الغلو وأنت لا تدري، لذلك أجمل كلمة قالها بعض العلماء السابقين: كان التصوف مسمى بلا اسم في عهد رسول الله، التصوف يعني معرفة، ومحبة، وذكر لله، ورياضة للنفس، فالصحابة الكرام كانوا في أعلى درجات التصوف، لكن لم يكن اسمهم صوفيين، بل أصحاب رسول الله، كانوا في القرآن مؤمنين، ثم أصبح التصوف اسماً بلا مسمى، وبلا مضمون، نحن نريد المضمون.
 الغلو معناه مجاوزة الحد، ما هو الحد؟ هو النص الشرعي، لماذا؟ لأنك عبد جاءك خطاب من الله عز وجل، مِن خالق الكون، والله عز وجل قال:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
[ سورة الأحزاب: 36]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق