بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله ربه رحمة للعالمين
أما بعد
فإن للأخلاق مكانة عظيمة في ديننا، حتى إن رسول الله يقول: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) والأخلاق سبب عظيم في محبة الرسول لصاحبها وقربه منه يوم القيامة. وإن أعظم الناس خلقاً هو رسول الله .
أهمية الأخلاق في الأمم
لقد جاء دين الإسلام منهج هداية للبشرية؛ لتصحيح عقائدها، وتهذيب نفوسها، وتقويم أخلاقها، وإصلاح مجتمعاتها، وتنظيم علاقاتها، ونشر الخير والفضيلة بين أفرادها، ومحاربة الشر والرذيلة، وإقصائها عن بيئاتها، وسد منافذ الفساد أن يتسلل إلى صفوفها؛ لذا فقد كانت مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، ومعالي القيم، وفضائل الشيم، وكريم الصفات والسجايا؛ من أسمى ما دعا إليه الإسلام، وقد تميز بنظام أخلاقي فريد، لم ولن يصل إليه نظام بشري أبداً.
وقد سبق الإسلام بذلك نظم البشر كلها؛ ذلك لأن الروح الأخلاقية في هذا الدين منبثقة من جوهر العقيدة الصافية؛ لرفع الإنسان الذي كرمه الله، وكلفه بحمل الرسالة، وتحقيق العبادة من درك الشر والانحراف، وبؤر الرذائل والفساد إلى قمم الخير والصلاح، وأوجه الاستقامة والفلاح؛ ليسود المجتمعَ السلامُ والمحبةُ والوئام، رائده نشر الخير والمعروف، ودرء الشر والمنكر والفساد.
أمة الإسلام: الأخلاق في كل أمة عنوان مجدها، ورمز سعادتها، وتاج كرامتها، وشعار عزها وسيادتها، وسر نصرها وقوتها. فصلاح الأفراد والأمم؛ مرده إلى الإيمان والأخلاق، وضعف الخلق؛ أمارةٌ على ضعف الإيمان، وإذا أصيبت الأمة في أخلاقها فقل: عليها السلام، فقد آذنت بتصدع أركانها، وزعزعة أمورها، وخراب شئونها، وفساد أبنائها، وإذا حصل ذلك فبطن الأرض خير من ظهرها.......
عِظم مكانة الأخلاق في الإسلام
أمة الإيمان والأخلاق: لقد بلغ من عِظَم مكانة الأخلاق في الإسلام أن حصر رسول الإسلام مهمة بعثته، وغاية دعوته، بكلمة عظيمة جامعة، فقال فيما رواه البخاري في التاريخ وغيره: {إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق }.
وفي هذا أكبر دليل وأنصع حُجة على أن رسالة الإسلام حققت ذروة الكمال، وقمة الخير والفضيلة والأخلاق، كما أن قدوة هذه الأمة عليه الصلاة والسلام كان المثل الأعلى والنموذج الأسمى للخلق الكريم.
وحسبنا في ذلك ثناء ربه عليه في قوله سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] فكان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً، وقد وصفت أمُّ المؤمنين عائشة ا خُلُقَه بوصف جامع، فقالت فيما رواه مسلم وغيره: y]كان خُلُقه القرآن ]].
أفلا يجدر بأمته وقد عصفت بها موجات الفساد من كل جانب، وأعاصير الشر والإلحاد من كل وسيلة وطريق أن تسلك سبيله, وتترسم خطاه، وتتمسك بسنته إن أرادت الخير والأمن والنصر والسلام؟
وكما كانت سيرته العملية، وسنته الفعلية نبراساً في الأخلاق، فقد زخرت سنته القولية بالإشادة بمكارم الأخلاق، ومكانة أهلها، وعظيم ثوابها، وهي مبثوثة في الصحاح و السنن وغيرها، منها:
قولـه : {البر حُسن الخلق }،
{إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً }،
{ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق }، {إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم }، {أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه }، {إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً }،
{وخالق الناس بخلق حسن }.
ولما سئل عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، قال: {تقوى الله، وحسن الخلق }.
يقول الحسن رحمه الله: e]حسن الخلق بش الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى ]].
ويقول عبد الله بن المبارك رحمه الله: e]حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسعة على العيال ]].
حتى قال بعضهم: لأن يصحبني عاصٍِ حسن الخلق، أحب إلي من عابد سيء الخلق.
وقالوا في علامة ذي الخلق الحسن:
أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، براً، وَصولاً، وقوراً، صبوراً، شكوراً، رضياً، حليماً، وفياً، عفيفاً، مؤْثِراً، لا لعاناً، ولا طعاناً، لا مناناً، ولا مغتاباً، لا كذاباً، ولا غاشاً، ولا خائناً، ولا عجولاً، ولا حقوداً، ولا حسوداً، ولا بخيلاًً، ولا متكبراً، هاشاً، باشاً، يحب في الله، ويبغض في الله، حكيماً في الأمور، قوياً في الحق. وهذا غيظ من فيض ما زخر به كتاب الله وسنة رسوله من ذكر صفات وأخلاق أهل الإيمان.......
فساد الأخلاق في واقع الأمة
أيها الإخوة في الله: بعد هذا كله، لنتأمل في واقع أخلاقنا، وسلوكنا مع أنفسنا، وأهلينا، وإخواننا المسلمين.
إن الواقع في هذا الشأن مرير، يبعث على الأسى، فقد زهد كثير من الناس رجالاً ونساء، شباباً وشيباً، بأخلاق القرآن في الوقت الذي نشط فيه أعداء الإسلام بنشر الغزو الأخلاقي المركز والمختلف الوسائل، والمتعدد القوالب، في مجتمعات المسلمين وأسرهم، فعمَّ الفساد والفِسق، وانتشرت المخالفات والمنكرات، وساد سوء الأخلاق، وقلة الحياء في سلوك كثيرٍ من الناس ومعاملاتهم.
فهل من عودة يا أمة الأخلاق لأخلاق القرآن والسنة؟
هل من يقظة يا شباب الإسلام! ترشد إلى المثُل العليا، وتُبعد عن سفاسف الأخلاق ومساوئ الأعمال؟
هل من رجعة يا أخوات الإسلام! إلى التزام أخلاق الدين القويم، بالمحافظة على الحجاب والعفاف والستر والحِشمة، والبُعد عن الاختلاط والتبرج والسفور وقلة الحياء؟
هل من عودة صادقة يا أمة الإسلام! إلى خلق الإسلام في حياتنا بكل جوانبها؟
هذا الرجاء والأمل، وعلينا الصدق والعمل. والله المستعان.
فاتقوا الله -عباد الله- وتخلقوا بأخلاق الإسلام الفاضلة، واحذروا التأثر بأخلاق غير المسلمين، وروِّضوا أنفسكم على الأخذ بمكارم الأخلاق، فالنفس هى مصدرها، فعنها تصدر الفضائل بتوفيق الله، ومنها تقع الرذائل، وبالتزامها نهج العقيدة والإيمان, واتباعها سبيل التقوى والرشاد، تتحلى بالأخلاق المثلى، والصفات العليا، وبانحرافها عن طريق الحق ونأيها عن سبيله تتردى في المهالك، وتغرق في المفاسد والآثام، ومن هنا يأتي دور الآباء والمدرسين والموجهين في تربية أجيال المسلمين على الأخلاق الفاضلة، وإبعادهم عن الأخلاق السافلة لينفعوا أنفسهم وبلادهم وأمتهم.
.
اللهم اهدنا لأحسن الأعمال والأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
اللهم أعذنا من منكرات الأخلاق، والأقوال والأعمال والأهواء، إنك سميع عليم مجيب الدعاء.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين, واحمِ حوزة الدين،اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وهيئ لهم البطانة الصالحة. .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعَز فيه أهل طاعتك، ويذَل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك، اللهم وفقهم في كل مكان، وانصرهم يا أرحم الراحمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق