ريناد الحازمي - النفاق
النفاق أمر عظيم، يجعل أصحابه في الدرك الأسفل من النار،قال تعالى : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً }.النساء(145) فالمنافقون أعظم جرماً من الكافرين، وذلك لتدارك درجاتهم في النار عن الكافرين، فهم في حقيقة أمرهم يجمعون ما بين الكفر والكذب، فهم كافرون في الباطن، كاذبون في الظاهر، لذا كان كفرهم أشد من كفر الكافر المعلن لكفره، وهم أخطر على المسلمين أيضاً، فالكافر ضرره ظاهر واضح،على خلاف المنافق فهو ولي للمسلمين ظاهراً، وفي الباطن عدو لدود، ومن هنا كان عذاب المنافق يوم القيامة أعظم من عذاب الكافر. قال ابن القيم - رحمه الله -عنهم: ( طبقة الزنادقة، وهم قوم أظهروا الإسلام ومتابعة الرسل، وأبطنوا الكفر ومعاداة الله ورسله، وهؤلاء المنافقون، وهم في الدرك الأسفل من النار، قال تعالى : {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً}.النساء: (145) ، فالكفار المجاهرون بكفرهم أخف، وهم فوقهم في دركات النار؛ لأن الطائفتين اشتركتا في الكفر ومعاداة الله ورسله، وزاد المنافقون عليهم بالكذب والنفاق، وبلية المسلمين بهم أعظم من بليتهم بالكفار المجاهرين، ولهذا قال تعالى :{هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون} المنافقون: (4)
فالنفاق أمره عظيم، وضرره جسيم، ولخطورة النفاق كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يخشونه على أنفسهم قال ابن أبي ملكية أحد التابعين : كما روى عنه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب الإيمان قال: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كلهم كان يخشى على نفسه النفاق, ولا يقول: إن إيماني كإيمان جبرائيل وميكائيل. قال الحافط ابن حجر – رحمه الله تعالى - : والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة، من أجلهم: عائشة، وأختها أسماء، وأم سلمة، والعبادلة الأربعة، وأبو هريرة. . . فهؤلاء ممن سمع منهم، وقد أدرك بالسن جماعة أجل من هؤلاء، كعلي، وسعد بن أبي وقاص، وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال، ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك، فكأنه إجماع، وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم .
وهذا ما جعل ابن الخطاب يخشاه على نفسه إذ قال لحذيفة بن اليمان : أنشدك بالله! ألم يسمني رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منهم؟ وذلك أن حذيفة - رضي الله تعالى عنه- كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعلمه بأسماء المنافقين، فخشي عمر على نفسه من أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذكره فيمن ذكرهم من المنافقين ،فأنشده الله إن كان الرسول – صلى الله عليه وسلم- قد أورد اسمه في قائمة المنافقين، وممن اشتهر عنه ذلك من الصحابة: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقد كان جالساً مع بعض تلاميذه, فقال رجل منهم: ما أُحِبُّ أن أكون من أصحاب اليمين, وإنما أحب أن أكون من المقربين، فقال – رضي الله عنه-: أما إن ها هنا رجلاً يتمنى أنه إذا مات لم يبعث-أي: نفسه- وقال: وددت لو أني شجرة تعضد.
قال العلامة الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم):وقال طائفة من السَّلف : خشوعُ النفاق أنْ ترى الجسدَ خاشعاً ، والقلب ليس بخاشع ، وقد رُوي معنى ذلك عن عمر ، وروي عنه أنَّه قال على المنبر : إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم المنافقُ العليم ، قالوا : كيف يكون المنافق عليماً ؟ قال : يتكلم بالحكمةِ ، ويعمل بالجور ،أو قال : المنكر . وسُئل حذيفة عن المنافق ، فقال : الذي يصف الإيمان ولا يعمل به .وفي صحيح البخاري عن ابن عمر أنَّه قيل له : إنا نَدخُلُ على سلاطيننا ، فنقول لهم بخلاف ما نتكلَّمُ إذا خرجنا من عندهم ، قال: كُنَّا نعدُّ هذا نفاقاً .وفي المسند عن حُذيفة ، قال : إنكم لتكلِّمون كلاماً إن كنّا لنعدُّه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النفاق ، وفي رواية قال : إنْ كان الرجلُ ليتكلَمُ بالكلمة على عهدرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيصير بها منافقاً ، وإنِّي لأسمعها من أحدِكم في اليوم في المجلس عشر مرارٍ .قال بلالُ بنُ سعد : المنافق يقولُ ما يَعرِفُ ، ويعمل ما يُنكِرُ .ومن هنا كان الصحابة يخافون النفاقَ على أنفسهم ، وكان عمرُ يسأل حُذيفة عن نفسه .وسئل أبو رجاء العطاردي : هل أدركتَ من أدركتَ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخشون النفاق ؟ فقال : نعم إني أدركتُ منهم بحمد الله صدراً حسناً ، نعم شديداً ، نعم شديداً وقال البخاري في صحيحه : وقال ابنُ أبي مُليكة : أدركتُ ثلاثين من أصحاب النَبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كلّهم يخافُ النفاق على نفسه .ويُذكر عن الحسن أنه قال : ما خافه إلاَّ مؤمنٌ ، ولا أمنه إلا منافق. انتهى .
وكان أبو الدرداء - رضي الله عنه- إذا فرغ من التشهد في الصلاة يتعوذ بالله من النفاق، ويكثر التعوذ منه، فقال له أحدهم: ومالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟ فقال دعنا عنك، فوالله إن الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه .وسئل الإمام أحمد: ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق؟ قال: ومن يأمن على نفسه النفاق؟ وروي عن الحسن أنه حلَف : ما مضى مؤمن قطُّ ولا بقي إلا وهو من النفاق مشفق ، ولا مضى منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن . وكان يقول : من لم يخفِ النفاق ، فهو منافق . والآثار عن السَّلف في هذا كثيرة جداً . قال سفيان الثوري : خلافُ ما بيننا وبين المرجئة ثلاث ، فذكر منها قال : نحن نقول : النفاق ، وهم يقولون : لا نفاق .وقال الأوزاعي : قد خاف عمر النفاقَ على نفسه .
والمسلم الصادق لا يقرب مسألتين الأولى الأمن من مكر الله ،قال تعالى : {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }.الأعراف.(99) قال الطبري-رحمه الله-: في تفسير هذه الآية: يقول تعالى ذكره: أفأمن يا محمد هؤلاء الذين يكذبون الله ورسوله ويجحدون آياته استدراج الله إياهم بما أنعم به عليهم في دنياهم من صحة الأبدان ورخاء العيش كما استدرج الذين قص عليهم قصصهم من الأمم قبلهم، فإن مكر الله لا يأمنه -يقول: لا يأمن ذلك أن يكون استدراجاً، مع مقامهم على كفرهم وإصرارهم على معصيتهم- (إلا القوم الخاسرون) وهم الهالكون: أهـ ولذا عدّ الأمن من مكر الله من أكبر الكبائر ،وعن ابن عباس - رضي الله عنهما- : أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سئل عن الكبائر ؟ فقال : (الشرك بالله ، واليأس من رَوح الله ، والأمنُ من مَكْر الله) .وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال - : أكبر الكبائر : الإشراك بالله ، والأمن من مكر الله ، والقنوط من رحمة الله ، واليأس من رَوح الله . فالمؤمن الصادق يبقى خائفاً من الله غير آمن من مكره، قال تعالى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً }.الإسراء(57). وقال سبحانه : {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }.المؤمنون(60) وقد صح عن أم المؤمنين عائشة –رضي الله تعالى عنها –أنها سألت رسول الله –صلى الله عليه وسلم –عن هذه الآية فقالت : قلت يا رسول الله:-والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة - أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ قال : لا يا بنت الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه، فأهل الإيمان لا يأمنون على أنفسهم مكر الله، بل يخافون أن لا تقبل طاعاتهم بسبب موانع إما تتعلق بحظوظ النفس، أو مخالفة الحق مع اعتقاد إصابته، وقد كان الصحابة – رضي الله تعالى عنهم- يخافون على أنفسهم من سوء العاقبة، وما كانوا يغترون بأعمالهم، وقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبِي بردة بن أبي موسى الأشْعري، قال: قال عبد الله بن عُمر: هل تدْري ما قال أبِي لأبيك؟ قال: فقلت: لا، قال: قال أبي لأبيك: "يا أبا موسى، هل يسرُّك إسلامُنا مع رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وهجرتُنا معه وجهادُنا معه وعملُنا كلّه معه برَد لنا، وأنَّ كلَّ عملٍ عمِلْناه بعدُ نجونا منه كفافًا رأسًا برأْس؟"، فقال أبي: لا والله، قد جاهدنا مع رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وصلَّينا وصُمْنا وعمِلْنا خيرًا كثيرًا، وأسلم على أيدينا بشَرٌ كثير، وإنَّا لنرجو ذلك، فقال أبي: "لكنِّي أنا والَّذي نفس عُمر بيدِه، لوددتُ أنَّ ذلك بَرَدَ لنا، وأنَّ كلَّ شيءٍ عمِلْناه بعدُ نجوْنا منه كفافًا رأسًا برأْس"، فقلت: إنَّ أباك - والله - خيرٌ من أبي . قال ابنُ حجر: والقائل هو أبو بُرْدة، وخاطب بذلك ابنَ عُمر، فأراد أنَّ عُمرَ خيرٌ من أبي موسى، فعُمر أفضل من أبِي موسى؛ لأنَّ مقام الخوف أفضل من مقام الرَّجاء، فالعِلْم مُحيط بأن الآدمي لا يخلو عن تقْصيرٍ ما في كلّ ما يريد من الخير، وإنَّما قال ذلك عمر هضْمًا لنفْسِه، وإلاَّ فمقامه في الفضائل والكمالات أشهر من أن يُذْكَر.أهـ.
إلا أن منزلة الخوف الحاملة على عدم الأمن من مكر الله سبحانه،لا تنافي منزلة الرجاء، فمنزلتا الخوف والرجاء متلازمتان، لا تنفك أحداهما عن الأخرى، قال تعالى : { وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }. يوسف87. قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: والأمن والإياس ينقلان عن الملة ،وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة .أ هـ فالواجب على العبد أن يكون بين منزلتي الخوف والرجاء، وأن لا يكتفي بواحدة منهما، فكما أنّ الأمن من مكر الله سبحانه إثم عظيم وكبيرة من أكبر الكبائر، كذلك اليأس من روح الله، وهو القنوط من رحمة الله تعالى، وهذا من الكفر أيضاً، وكما قال بعض العلماء: إن الخوف والرجاء للمسلم كالجناحين للطائر لا غنى له عن أحدهما، فالمؤمن لا يأمن على نفسه مكر الله، وقد أوردت بعض النقول عن أهل العلم بما يتعلق بأحوالهم مع الأمن، لذا نجد الرسول – صلى الله عليه وسلك – كان يكثر من الدعاء في سجوده، وكا ن أكثر ما يدعو الله به :( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) وذلك أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والشاهد أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يخشى على نفسه من تقلب القلب، وهو الصادق المصدوق المؤيد بالوحي، فكيف بنا نحن؟؟ فالمؤمن، فلا يأمن على نفسه من الانحراف ، وهذا أصل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم يا مقلب القلوب) فالمسلم يبقى خائفاً على نفسه من الفتن التي تموج كموج البحر وتتساقط على الأمة كمواقع القطر،وفي الحديث الصحيح قال – صلى الله عليه وسلم :( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ). وأما المسألة الثانية التي لا يواقعها المسلم، هي تزكية النفس، فإن المسلم لا يزكي نفسه ويعلم يقيناً بأن تزكية نفسه من الكبائر قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً *انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً }النساء(50-49) قال الطبري- رحمه الله تعالى- "فلا تزكوا أنفسكم" [النجم( 32) يقتضي الغض من المزكي لنفسه بلسانه، والإعلام بأن الزاكي المزكى من حسنت أفعاله وزكاه الله عز وجل فلا عبرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له. وفي صحيح مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي برة؛ فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا الاسم، وسميت برة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم ) فقالوا: بم نسميها ؟ فقال: (سموها زينب ). فقد دل الكتاب والسنة على المنع من تزكية الإنسان نفسه، ويجري هذا المجرى ما قد كثر في هذه الديار المصرية من نعتهم أنفسهم بالنعوت التي تقتضي التزكية؛ كزكي الدين ومحي الدين وما أشبه ذلك، لكن لما كثرت قبائح المسمين بهذه الأسماء ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها فصارت لا تفيد شيئا. أ هـ. لذا كانت تزكية النفس من علامات الضلال هذا إن كان العبد يرى في نفسه حقيقة هذه التزكية، فكيف بأن يزكي نفسه بما لا يتصف به كحال الكثيرين ، قال تعالى : {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. آل عمران(188) قال ابن كثير – رحمه الله تعالى- وقوله تعالى) : لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ). الآية ، يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يعطوا ، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ) من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة ( وفي الصحيح : ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) . أ هـ وقال القرطبي – رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية: أي بما فعلوا من القعود في التخلف عن الغزو وجاءوا به من العذر . ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رجالاً من المنافقين في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا الآية . وفي الصحيحين أيضا أن مروان قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له : لئن كان كل امرئ منا فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبنّ أجمعون . فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية ! إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب . ثم تلاابن عباس وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه و لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا . أ هـ وإن كانت الآيات ابتداء في أهل الكتاب، فلا يمنع ذلك من دخول المسلمين في عموم المعنى، إذ كل سبيل سلكه اليهود والنصارى وكانوا عليه من الأقوال والأفعال والاعتقادات مما جاء ذمهم في النصوص الشرعية عليه، يدخل المسلمون في عمومه ،فقد نهى المؤمنون عن اتباع سبيل المغضوب عليهم والضالين، ناهيك عن دلالة النصوص الشرعية المتعلقة بذم تزكية النفس كما في الأحاديث السابقة مما يجعل الحكم عاماً ولا يقتصر على أهل الكتاب بل يعم أهل الكتاب وغيرهم والله أعلم. وهذه مسألة في منتهى الأهمية إذ يترتب عليها معرفة أحوال المعاندين، والتي يكون المؤمنون على خلافها، فهي تعطي انطباعاً عاماً عن الصفات التي لا بد أن يتصف بها المؤمن، أو الصفات التي يجب على المسلم أن يجتنبها، وهاتان الصفتان، الأمن من مكر الله سبحانه، وتزكية النفس لا يقع فيها مؤمن، وقد جاء ذكر طائفة من أقوال الفضلاء في خوفهم على أنفسهم من النفاق، أو اتهام أنفسهم بالتقصير، سواء وقع الأمر موقع التواضع، أو كان على الحقيقة، أما المنافقون فهم يأمنون مكر الله، لذا يتجرؤون على الكذب والافتراء، ويزكون أنفسهم اعتقاداً منهم أنهم على خير ، قال تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ 11 أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }.البقرة(12) وعليه فالنفاق من أعظم الذنوب، فهل تأمن على نفسك من النفاق ؟الجواب: إن كنت من أهل الخير هو: لا. ولكن كيف تنجو من هذا الفعل العظيم؟ ذلك من خلال تعرفك على صفات المنافقين إذ المنافق لا يُعرف إلا من خلال ما يصدر عنه من أقوال أو أفعال تدل على عدم صدقه وغير ذلك، قال تعالى : {وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }.محمد(30) فللمنافقين صفات يعرفون بها، نأتي على ذكرها بعد قليل إن شاء الله تعالى. وللتعامل مع أهل النفاق حالات عدة دلت عليها النصوص الشرعية، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الظاهر دليل على الباطن إذ من ترسخ الإيمان في قلبه يستحيل عليه أن يقع في أعمالهم التي من شأنها أن تقربه من الكفر ولذا أمر الله عبده ورسوله بمجاهدة المنافقين بالتغليظ عليهم فقال :{أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً }.النساء(63) وخطاب الله لرسوله خطاب لأمته، فيجب على الأمة أن تعامل المنافقين وفق ما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولكن لا بد من تأمل مسألة دقيقة، وهي أن النفاق مسألة قلبية فهي حتماً مسألة غيبية والغيب لا يعلمه إلا الله، قال تعالى:{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }الأنعام50 وقال سبحانه .{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }. الأعراف(188) والرسول صلى الله عليه وسلم داخل في هذا السياق، فهو لا يعلم الغيب قال تعالى : {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }.الأنعام(50) وقال سبحانه : {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.الأعراف(188) صحيح قد يقال إن الله سبحانه أعلمه بأسماء المنافقين، ولكنه أيضا أعلمه بصفاتهم ، فإن خُفيت علينا أعلامهم لم تخف علينا أحوالهم، فمن اتصف بصفة من هذه الصفات اتصف بصفة دالة على النفاق، فإن كانت من دلائل نفاق الكفر اتصف بها، وإن كانت من نفاق العمل اتصف بها، وقد وقع الخلاف في الحكم عليه هل يحكم بنفاقه أو لا ، على خلاف، ومن اتصف بصفة لا يلزم وصفه بها وأن يأخذ حكمها، فلا يقال منافق، بل يقال فيه علامات النفاق، علماً بأن هنالك أفعالاً لا تدل إلا على نفاق أهلها، خاصة إن كانت متعلقة بناقض من نواقض الإيمان، كالاستهزاء بالمؤمنين، أو التخاذل عن الجهاد، أو خذل المؤمنين مع حاجة المؤمنين إلى النصرة ويتضح ذلك من قوله تعالى : {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }.النساء(88) وقد بسطت القول في هذه المسألة برسالتي- احذروا أدعياء السلفية- وقد دلت الأحاديث الصحيحة على صفات يتصف بها المنافق، يكون المؤمن في منأى عنها كما في الحديث عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ).والإشارة إلى البعض بالنفاق مسألة معلومة في السلف الصالح فعلى سبيل المثال ، حديث ابن مسعود ، قال :( من سره ، أن يلقى الله غداً مسلماً ، فليحافظ على هؤلاء الصلوات ، حيث ينادى بهنّ ، فإن الله شرع لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - سنن الهدى ، وإنهن من سنن الهدى ، ولو أنكم صليتم في بيوتكم ، كما يصلي هذا المتخلف في بيته ، لتركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم ، لضللتم ، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد ، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ، ويرفعه بها درجة ، ويحط عنه بها سيئة ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها ، إلا منافق معلوم النفاق ، ولقد كان الرجل يؤتى به ، يهادى بين الرجلين ، حتى يقام في الصف). وهذا أثر صحيح رواه أهل الصحاح وغيرهم ، وقد أشار الحديث إلى فائدتين، الأولى كونه منافقاً، الثانية معلوم النفاق، فالحكم عليه بالنفاق كان من باب إتيانه لفعل يدل على نفاقه ، والحكم على نفاقه بالمعلوم كان من باب معرفة الصحابة بأن هذه الأفعال لا تصدر إلا من منافق، وهذا في باب صلاة الجماعة التي دلت الأحاديث على ثقلها على المنافقين كما في الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة ، قال : قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: ( ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ، لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ، ثم آمر رجلاً يؤم الناس ، ثم آخذ شعلاً من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد ). وفي الحديث فائدة قل من ينتبه إليها، وهي أن المنافق يأتي صلاة الجماعة، ولكنه لا يأتيها إلا متثاقلاً، قال تعالى : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }.النساء(142) فالمنافقون كانوا يشهدون الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن لا يشهد الصلاة جماعة؟ بل كيف بذلك العبد الذي لا يصلي أصلاً، فإذا كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يرون عدم إتيان الجماعة من النفاق، فما قولهم بمن لا يصلي؟ حتما هو الكفر : قال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله تعالى: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأفعال تركه كفر إلا الصلاة). والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة وهذا الأثر الصحيح على خلاف ما يفهمه أهل الأهواء، فليس فيه دلالة على أن الإنسان لا يكفر إلا بترك الصلاة، فهنالك أمور كثيرة يكفر العبد بها، لكن الأثر يدل على ترك الفعل، لا على الوقوع في نواقض الإيمان ، والفرق بينهما واضح، فترك الفعل شيء، والوقوع فيما يناقض الإسلام شيء آخر، فالصحابة -رضي الله تعالى عنهم - متفقون على أن تارك الصلاة كافر، ولم يتفقوا على غير ذلك، أي لا يرون تارك الصيام كافراً، أو تارك الجهاد أو ما شابه ذلك، ولكنهم اتفقوا على كفر تارك الصلاة، وأما ما يتعلق بنواقض الإسلام فهو أمر آخر. وعليه لا دليل لمن حصر الكفر بترك الصلاة، ولست بصدد الإشارة إلى حكم تارك الصلاة فقد فصلت القول فيها، لكنني بصدد الإشارة إلى فائدة يجهلها كثيرون، والقصد من هذا التفصيل الاستدلال على أن ظاهر الفعل يدل على باطنه كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب). وهذا حديث صحيح رواه البخاري وغيره. ومن خلال التعرف على صفات المنافقين تستطيع الحكم على نفسك من أي الفريقين أنت؟ أمن المؤمنين الصادقين ، أم من المنافقين الهالكين؟ وصفات المنافق كثيرة قد أوصلها البعض إلى خمس وستين صفة، وقد يكون هذا في مقابلة شعب الإيمان إذ كل شعبة من شعب الإيمان تقابلها شعبة من شعب الكفر، فصدق الحديث من شعب الإيمان، وعليه يكون الكذب شعبة من شعب النفاق، وكذلك الوفاء بالعهد من شعب الإيمان، وفي مقابله الغدر، وهو شعبة من شعب الكفر وهكذا، وشعب الإيمان بضع وستون شعبة كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الإيمان بضع وسبعون أو ، بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ). ومرجع هذه الشعب كلها – أي شعب النفاق- إلى أصل واحد يجمع بينها وهو عدم الإيمان بالله واليوم الآخر قال تعالى : {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }. المائدة(81) وقال :{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ }التوبة45 وعليه فإن عامة أفعال المنافقين آتية من عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر، فهم لا يأتون العبادة لكونهم يبتغون الأجر عليها، بل ليحققوا منفعة دنية، أو يدفعوا عنهم ضرراً ، لذلك إن أمنوا الضرر، ولم يتحققوا على منفعة امتنعوا عن القيام بالعمل، ولهذا كانوا يستأذنون الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليرخص لهم في القعود عن الجهاد لما يترتب عليه من ضرر ومشقة، كما في الآية السابقة،ولو كان الخروج مع الرسول صلى الله عليه وسلم يحقق لهم منفعة في الدنيا لما توانوا عنه، ولخرجوا مع الرسول –صلى الله عليه وسلم- قال تعالى : {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }.التوبة(42) فهذا هو ميزان الإقدام أو الإحجام عند المنافقين، إن كان في الفعل مصلحة لهم أتوه ، وإن لم يكن لهم فيه مصلحة أعرضوا عنه، قال تعالى :{وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ }.النور(49) على خلاف إن كان عليهم، أو لا مصلحة لهم فيه، أو مخالفاً لأهوائهم، قال تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً }.النساء(61) وهذا ما يجب أن تعلمه في نفسك هل لا تُقبل على العبادة إلا إن تحققت لك مصلحة فيها، وتعرض عنها إن لم يتحقق لك مصلحة؟ أم ستأتي العبادة تحت كل الظروف، إذ أصحاب النفوس المريضة، يتخاذلون عن الطاعة لأتفه الأسباب، بل يجعلون عبادتهم لله وفق أهوائهم، فإن رأوا في العبادة ما تقر به أعيونهم أقبلوا عليها بهمة ونشاط، على خلاف إن كانت مخالفة لأهوائهم انقلبوا على أعقابهم فردوا خاسرين، قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }.الحج(11) جاء في تفسير ابن كثير – رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية : وروىالبخاري عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف . قال : كان الرجل يقدمالمدينة ، فإن ولدت امرأته غلاماً ، ونتجت خيله ، قال : هذا دين صالح . وإن لم تلد امرأته ، ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء . وعن ابن عباس أيضاً ، قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ، فإذا رجعوا إلى بلادهم ، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن ، قالوا: إن ديننا هذا لصالح ، فتمسكوا به . وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط ، قالوا : ما فيديننا هذا خير . فأنزل الله على نبيه) : ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه( . وقال العوفي ، عن ابن عباس : كان أحدهم إذا قدم المدينة ، وهي أرض وبيئة ، فإن صح بها جسمه ، ونتجت فرسه مهراً حسناً ، وولدت امرأته غلاماً رضي به واطمأن إليه ،وقال : ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيراً . وإن أصابته فتنة - والفتنة : البلاء - أي : وإن أصابه وجع المدينة ، وولدت امرأته جارية ، وتأخرت عنه الصدقة ، أتاه الشيطان فقال : والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شراً . وذلك الفتنة . وهكذا ذكر قتادة ، والضحاك ، وابن جريج ، وغير واحد من السلف ، في تفسير هذه الآيةأ هـ . وقال سبحانه : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ }.العنكبوت(10) قال ابن كثير – رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية : يقول تعالى مخبراً عن صفات قوم من المكذبين الذين يدعون الإيمان بألسنتهم ، ولم يثبت الإيمان في قلوبهم ، بأنهم إذا جاءتهم فتنة ومحنة في الدنيا ، اعتقدوا أن هذا من نقمة الله تعالى بهم ، فارتدوا عن الإسلام ، ولهذا قال الله :( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ) .أهـ وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمناً ، ويمسي كافراً ، أو يمسي مؤمناً ، ويصبح كافراً ، يبيع دينه بعرض من الدنيا ). رواه الإمام مسلم وغيره. وبعد أن تعرفنا على القاعدة العامة التي يتكئ عليها المنافق، لا بد من التعرف على بعض صفاته التفصيلية وهي ليست على الترتيب النصي بل وفق الاجتهاد أسأل الله العظيم أن أكون وفقت للصواب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق