زوار الصفحة

الثلاثاء، 9 أبريل 2013

الاجتهاد والاستنباط - غيداء سرحان

الاجتهاد والاستنباط


الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين :
وبعد:
الواقع الذي نعيشه بأحداثه ووقائعه غير محصور ولا متناه ،بينما النصوص الشرعية محصورة ومتناهية ،لهذا كان لزاما أن يواكب الشرع حركة المجتمع بما يفرزه من وقائع وأحداث لا نص فيها ولن يتأتى ذلك إلا بالاجتهاد والاستنباط.
فما هو الاجتهاد ؟ وما هي مجالاته ؟
1- تعريف الاجتهاد
الاجتهاد في اللغة : مشتق من مادة جهد والجهد بالضم : الطَّاقَةُ والوُسْع. والجَهْد بالفتح فقط : المَشَقَّة وقال الجوهري :الاجتهادُ والتَجاهُدُ: بذل الوُسعِ والمجهودِ. وجاء في لسان العرب الاجتهاد هو بذل الوسع فى طلب الأمر.
وقال الغزالي الاجتهاد استفراغ الوسع في أي فعل كان ،ولا يستعمل إلا فيما فيه كلفة وجهد ،فيقال اجتهد في حمل الرحا ولا يقال اجتهد في حمل خردلة.
الاجتهاد اصطلاحا
ذكر علماء الأصول تعريفات كثيرة للاجتهاد كلها تصب في معنى واحد
قال الآمدي: هو في الاصطلاح: استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية، على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه "
وقال الامام الغزالي "بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة، والاجتهاد التام أن يبذل الوسع في الطلب بحيث يحس من نفسه بالعجز عن مزيد من الطلب.
وقال الامام السمعاني : الاجتهاد استفراغ الوسع وبذل المجهود في طلب الحكم الشرعى.
وبناءا على هذه التعاريف نقول بأن الاجتهاد هو استفراغ المجتهد الوسع وبذل الجهد لاستنباط الحكم الشرعي من الأدلة الشرعية .
2- مجال الاجتهاد
مجال الاجتهاد أوالمجتهد فيه كما يعبر الأصوليون هوكل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي .
قال الغزالي رحمه الله )505(: واحترزنا بالشرعي عن العقليات ومسائل الكلام فإن الحق فيها واحد والمصيب واحد والمخطىء آثم وإنما نعني بالمجتهد فيه ما لا يكون المخطىء فيه آثما
وقوله ليس فيه دليل قطعي لإخراج وجوب الصلوات الخمس والزكوات وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع ففيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف فليس ذلك محل الاجتهاد
وقال الزركشي)794(في البحر المحيط : الْمُجْتَهَدُ فيه هو كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَمَلِيٍّ
فأضاف قيد عملي ،حتى يخرج المسائل الشرعية الاعتقادية من مجال الاجتهاد ،لأن لا مجال لمجتهد فيها أن يكون له عذر ،فضلا عن أن يكون له أجر .
فمن خلال هذا التعريف لمجال الاجتهاد يمكن استنتاج مايلي:
- أن لا اجتهاد في المسائل التي دل الشرع على حكمها دلالة قطعية ) مثل النطق بالشهادتين ووجوب الصلوات الخمس والصيام والزكاة والحج وتحريم جرائم الزنا والسرقة والخمر والقتل ....وغيرها(
- أن الاجتهاد يكون في المسائل الشرعية التي ليس فيها دليل قطعي
- أن الاجتهاد يكون في الوقائع التي لم يرد فيها نص ولا اجماع
لأن الوقائع والأحداث على عمومها وإطلاقها إما أن يكون فيها نص أو لا يكون،فإن لم يكن فيها نص وجب على المجتهد أن يبحث عن حكمها الشرعي - لأنه لا تخلو واقعة عن حكم الله- وذلك بالاعتماد على أدلة عقلية كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة والاستصحاب والعرف وغير ذلك من الأدلة التابعة للكتاب والسنة،وعلى هذا يحمل إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم معاد بن جبل على الاجتهاد ،عندما استفسره عليه السلام عم سيفعله عندما لا يجد نصا من القرآن أو من السنة يعمل به ؟فأجاب رضي الله عنه أجتهد رأيي ولا آلو .
وإذا كان في الواقعة نص ،فإن هذا النص منحصر في أربعة أحوال :
1- أن يكون النص قطعي الثبوت والدلالة : فهذا النص لا مجال للجتهاد فيه،وإنما يجب العمل به وتنفيذه وفق إرادة الشارع الحكيم ،لأنه منقول بالتواتر ولا يحتمل التأويل ، كالآيات المتعلقة بوجوب الصلوات والصيام والحج والزكاة وتحريم السرقة والزنا وغيرها.وفي شأن هذا النوع من النصوص يقول العلماء :لا اجتهاد مع النص أي النص القطعي ثبوتا ودلالة . وقد عقد ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين فصلا في هذه المسألة سماه : فصل في تحريم الإفتاء في دين الله بالرآي المتضمن لمخالفة النصوص والرأي الذي لم تشهد له النصوص بالقبول .وقال الامام الشاطبي :فأما القطعي فلا مجال للنظر فيه بعد وضوح الحق في النفي أو في الاثبات،وليس محلا للاجتهاد،وهو قسم الواضحات ،لأنه واضح الحكم حقيقة والخارج عنه مخطئ قطعا .
2- أن يكون النص قطعي الثبوت ظني الدلالة : وهذا النص لا يجوز الاجتهاد في سنده لثبوته قطعا كالقرآن الكريم والسنة المتواترة ،إلا أنه يجوز الاجتهاد في دلالته لدخولها الاحتمال ،فكل لفظ دل على شئ واحتمل غيره يعتبر ظني الدلالة ،والنصوص الشرعية معظمها من هذا النوع :فالمتشابه ظني الدلالة لأنه يحتمل التأويل ،والعام ظني الدلالة لأنه يحتمل التخصيص ،والمجمل ظني الدلالة لأنه يحتمل التفسير أو البيان ،والمطلق ظني الدلالة لأنه يحتمل التقييد ،والمشترك ظني الدلالة لأنه يحتمل أكثر من معنى ،لهذا فدور المجتهد يتمثل في البحث عن مراد الشارع من كلامه ،فيعمد إلى رد المتشابه إلى المحكم ،والمجمل إلى المفسر ،ويحمل المطلق على المقيد ،ويعين للمشترك معنى من معانيه المختلفة بدليل .ويستعين المجتهد في مثل هذا بالقواعد اللغوية أو بمقاصد الشريعة لترجيح رأي على غيره .
من أمثلة ذلك قوله تعالى :{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} .فلفظ القرء مشترك بين الطهر والحيض ،وقد أوله المالكية بالطهر والحنفية بالحيض ، كما أن الآية تناولت لفظا عاما هو والمطلقات .وقد خصص بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا }
3- أن يكون النص ظني الثبوت قطعي الدلالة : وهذا النص يجب الاجتهاد فيه بالبحث في سنده وطريق وصوله إلينا، ومدى استجابة رواة الحديث لشروط الصحة التي وضعها علماء الحديث وأئمتهم من العدالة والضبط..
4- أن يكون النص ظني الثبوت والدلالة :وهذا النص يجب الاجتهاد فيه بالبحث في كل من سنده ومتنه،فأما البحث في السند فلأنه لم يتواتر ،وأما البحث في متنه فلأنه يدل على شئ ويحتمل غيره .









الخاتمة
يمكن القول في ختام هذا البحث الذي حاولت من خلاله بيان مجال الاجتهاد :
أن مجال الاجتهاد أمران :
- الاجتهاد في الوقائع التي لم يرد فيها نص ولا اجماع
- الاجتهاد في المسائل الشرعية التي ليس فيها دليل قطعي
ولا مجال للاجتهاد في المسائل التي دل الشرع على حكمها دلالة قطعية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق